الجمعة، 19 ديسمبر 2014

رسالة ( البيت الجديد) وتزوجت أرملة شقيقي الراحل

أنا شاب من أبناء الجنوب شاءت لي الأقدار أن أكون طرفا في قصة من هذه القصص المؤلمة التي أحرص علي قراءتها في بابك بانتظام‏..‏ فلقد نشأت في أسرة صعيدية مترابطة‏..‏ وتزوج شقيقي الأكبر منذ بضع سنوات وأقام مع أبي وأمي في البيت الكبير كما نسميه أي بيت الأسرة‏..‏
وتزوجت شقيقاتي واستقرت بهن الحياة في بيوت أزواجهن في الجوار القريب‏,‏ وأنجب شقيقي الأكبر من زوجته طفلين صغيرين‏,‏ وسعد بحياته وزوجته وسعدت هي به‏..‏ ثم فجأة تزلزل كيان هذا البيت بمصرع شقيقي هذا منذ عام ونصف عام في حادث سيارة خلال عودته من مدينة الأقصر التي كان يعمل بها‏..‏ وخيم الحزن علي الجميع وسقطت زوجة أخي في غيبوبة شبه متصلة‏..‏ ووفقا للتقاليد فقد استمرت زوجة أخي مقيمة في بيت الأسرة مع طفليها الذي يبلغ عمر أكبرهما‏6‏ سنوات والأخري‏4‏ سنوات‏,‏ وبعد إحياء ذكري الأربعين بأيام جاء أهل زوجة أخي ليصطحبوها معهم إلي بيت أسرتهم كالعادة حين يكون الأطفال صغارا‏.‏ ولا أدري ماذا فعل أبي معهم أو ماذا قال لهم لكي يقنعهم بترك ابنتهم مع طفليها بعض الوقت في بيتنا‏,‏ لكنهم علي أية حال قد قبلوا بعد رجاء وإلحاح تركها لبعض الوقت علي أن يرجعوا لاصطحابها معهم بعد هذه المهلة الجديدة بلا أي تأجيل‏.‏ وبعد انصرافهم فوجئت بأبي يدعوني للحديث معه علي انفراد ثم يرجوني والدمع المتجمد في عيونه‏,‏ بأن أتزوج أرملة شقيقي الراحل لكي تظل هي والطفلان في بيتنا وتمضي الحياة بهم وبنا علي ماكانت عليه قبل الحادث المؤلم‏..‏
ولم أجب أبي بالرفض أو القبول عند سماعي لهذا الرجاء المؤلم‏,‏ وغلبني الاحساس بالحزن علي أخي الذي كان صديقي وتوءم روحي‏,‏ فانعقد لساني ولم يضغط علي أبي لكي يتعجلني الرد وانما قال لي انه يدع لي الأمر للتفكير فيه ويأمل أن أضع مصلحة الطفلين اليتيمين ورغبته ورغبة أمي في ألا يفارقاهما في اعتباري‏.‏ ومضت بضعة أيام أخري وأنا مستغرق في التفكير‏,‏ أريد أن أحقق لأبي وأمي رغبتهما في أن ينشأ أحفادهما في أحضانهما‏..‏ وأتخيل من ناحية أخري نفسي في موضع أخي من زوجته فأخجل من الفكرة وأنزعج لها‏..‏ إلي أن كنت جالسا في غرفتي ذات يوم أقرأ الصحف في الصباح فدخلت أرملة أخي إلي الحجرة ورجتني أن أعقد قراني عليها فقط لكيلا تغادر بيت الأسرة‏,‏ ولأن أهلها اذا أعادوها إلي بيتهم فلسوف يضغطون عليها بشدة للزواج مرة أخري ولن تمضي ستة أشهر أو عام علي أكثر تقدير إلا وتكون قد تزوجت من آخر رغبت في ذلك أم لم ترغب‏,‏ ولهذا فهي ترجوني أن أعقد قراني عليها فقط لكي أحميها من ذلك وأعين أطفالها علي البقاء بين أهل أبيهم‏,‏ وعلي ألا يكون لكل منا شأن بالآخر بعد عقد القران لأنها لاتريد الزواج بعد أخي وترغب في أن تتفرغ لتربية طفليها منه‏!‏
ولم يكن أمامي من سبيل بعد هذه المصارحة سوي القبول استجابة لرغبة أبي وأمي‏..‏ وجاء أهلها بعد أيام ليصطحبوها معهم‏,‏ فقال لهم أبي أنه لا داعي لذلك لأن ابنه الآخر سوف يتزوج أرملة أخيه ويربي أبنيه ورحب الأهل بذلك‏..‏ وانتظرنا انقضاء فترة العدة‏..‏ وما إن انتهت حتي جاء المأذون وعقد قراني عليها‏..‏ وبعد القران دخلت هي حجرتها ودخلت حجرتي وفي الصباح غادرت البيت وتوجهت إلي الاسكندرية حيث يقيم بعض أقاربي ويعملون‏,‏ وقضيت في الثغر تسعة شهور كاملة عملت خلالها مع أقاربي ثم علمت أن أبي مريض فعدت إلي بلدتي لزيارته والاطمئنان علي أحواله وأحوال أمي‏,‏ واستقبلتني زوجتي بالمصافحة العادية كما كانت تفعل معي وهي زوجة لأخي‏,‏ وعلمت أن أمي علي خلاف معها منذ علمت أن كل مابيننا هو وثيقة الزواج فقط‏..‏ ووجدت العلاقة متأزمة بينهما للغاية فوفرت لزوجتي مسكنا مستقلا قريبا وانتقلنا إليه‏,‏ وأصبح من واجبي أن أبيت معها في البيت الجديد لكيلا أدعها وأدع أطفالها وحدهم فيه‏,‏ ومضت حياتنا في البيت الجديد هادئة‏..‏ فزوجتي تعدالطعام وتغسل الملابس وترعي الأطفال‏..‏ وأنا ألبي مطالبها من الخارج وأرعي مصالح البيت وأرعي الابنين اللذين لايعرفان لهم أبا غيري‏..‏ وأؤدي عملي‏,‏ وفي المساء يدخل كل منا غرفته ويغلق بابها عليه للصباح‏.‏
وبعد فترة من الوقت تساءلت عما يدعونا للاستمرار علي هذا النحو اذا كانت الحياة قد جمعت بيننا تحت سقف واحد ولكل منا مصلحة أساسية في رعاية هذين الطفلين‏..‏ وقررت بعد تردد طويل أن أفاتحها في أن نحول زواجنا الشكلي إلي زواج حقيقي‏..‏
وفعلت ذلك ففوجئت بها تبكي بشدة وتقول لي انها قد اتفقت معي من البداية علي هذا الوضع‏,‏ وبحيث تعيش لطفليها وعلي ذكري زوجها‏,‏ واني أستطيع اذا رغبت في الزواج الحقيقي أن أتزوج من غيرها ولن تعترض علي ذلك بل انها تستطيع أن ترجع للاقامة في بيت أبي لكي يخلو لي هذا المسكن لأتزوج فيه‏!‏
وشعرت بالخجل والحياء لردها هذا‏..‏ ولم أشأ أن أحرجها أو أحرج نفسي أكثر من ذلك فسكت‏,‏ ومضت بنا الحياة وزوجتي لاتعترف بي عمليا زوجا لها‏,‏ وطفلاها لايعرفان لهما سواي‏..‏ فماذا أفعل ياسيدي‏..‏ ان والدتها تنصحني بالصبر عليها‏,‏ وشقيقها يقول لي ان كل شيء مرهون بالصبر‏,‏ وهي تنصحني بالزواج وتؤكد لي أنها ستكون سعيدة بحياتها في هذه الحالة بشرط أن أحتفظ بها في عصمتي‏..‏ وأنا لم أعد أعرف ما هو الخطأ وما هو الصواب‏..‏ فبماذا تنصحني أن أفعل؟


ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:
من حقك بالفعل أن تتطلع لأن تحيا حياتك بطريقة طبيعية وتستغني بزوجتك عن غيرها من النساء‏,‏ مادامت الأقدار قد جمعت بينكما في رباط مقدس ولكل منكما مصلحة مؤكدة في استمراره إلي النهاية‏..‏ أما الاتفاق المبدئي بينكما علي أن يكون زواجكما شكليا حتي لاتخرج زوجتك وطفلاها من أحضان أسرتك‏,‏ فليس مما يعتد به كشرط دائم يعتبر من خالفه كمن نقض العهد وخان الوعود‏..‏ لأنه شرط فاسد دعت إليه الضرورة النفسية في الظروف المأساوية التي أحاطت بهذا الزواج‏..‏ وربما لو لم تشترطه هي لما راودت نفسك علي الارتباط بها متخلصا من الحرج الإنساني المفهوم في مثل هذه الظروف‏,‏ ولما استطاعت هي أيضا أن تتغلب علي مشاعرها وأحزانها وحرجها النفسي لتقبل به‏.‏ غير أن الواقع حتي ولو استعنا في البداية علي القبول به بالتحايل علي أنفسنا بمثل هذه المبررات والحيل النفسية‏,‏ لايلبث أن يرغمنا علي أن نحيا حياتنا بطريقة طبيعية‏,‏ وعلي أن نتقبل بعد حين ماكنا ننكره أو نستفظعه من حقائق الحياة قبل وقت قصير‏.‏
ولهذا فإن تمسك زوجتك بهذا الشرط الفاسد حتي الآن هو الذي يعد خروجا علي الاتفاق الضمني المفهوم بغير تصريح بين الطرفين حين تم الزواج وليس تفكيرك في تحويله إلي زواج حقيقي يلبي لك احتياجاتك النفسية والعاطفية هو الخروج علي مثل هذا الاتفاق الصامت‏.‏
كما أن تصريحها لك بالزواج من غيرها مع بقائها في عصمتك‏,‏ ليس حلا مقنعا للمشكلة‏..‏ ذلك أنه ليس كل إنسان قادرا علي أن يحيا حياة مزدوجة يتنقل فيها بين زوجتين حتي ولو كانت علاقته بإحداهما شكلية ولأن الزواج مسئولية نفسية وأدبية واجتماعية قبل كل شيء‏..‏ وقليلون هم الذين يطيقون تعدد هذه المسئولية في حياتهم‏.‏ كما أن وجود زوجتك في عصمتك لن يرشحك بسهولة للاستقرار والسعادة مع زوجة أخري‏,‏ ولن يكون ذلك الوضع مقبولا ولا مريحا لمن تقبل الارتباط بك وانما سوف يظل بؤرة للمتاعب والقلاقل بينكما علي الدوام حتي ولو أقسمت لها أغلظ الأيمان أنه لايجمع بينك وبين الأولي من مقاصد الزواج سوي الحماية والمسئولية ورعاية الأبناء‏.‏ وليس من المستبعد كذلك أن ينبه زواجك المقترح هذا لدي زوجتك الأولي مشاعرها الأنثوية واحتياجاتها النفسية الخامدة حاليا تحت ركام الأحزان‏..‏ فتتساءل وماذا يمنعها بعد كل هذا الوقت عن رجلها وهو زوجها أمام الله والجميع‏,‏ فيحركها ذلك لاجتذابك إليها‏..‏ أو يحفزها للاحتفاظ بك اذا استشعرت خطر فقدك النهائي واستئثار الأخري بك‏..‏ وليس كل ذلك بمستغرب علي النفس البشرية التي لاتستشعر في بعض الأحيان قيمة مالديها إلا من خلال تقدير الآخرين له‏!!‏ فلماذا كل هذا العناء‏..‏ وقد يسر لنا الله سبحانه وتعالي أن نحيا حياتنا الطبيعية بلا مشاكل ولا اضطرابات؟
انني أتصور أن مايحول بينك وبين زوجتك الآن هو قرب الذكري وبطء التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته عليها الأقدار الحزينة‏.‏ لكنها في غمار همها بنفسها وأحزانها ينبغي لها أيضا ألا تظلم شابا أمينا مثلك قبل أن يضحي بأحلامه الشخصية رعاية لاعتبارات إنسانية وعائلية نبيلة‏..‏ وتعفف عن الضغط علي زوجته لنيل مايصبو إليه منها مراعاة لظروفها النفسية والإنسانية‏,‏ وانما لابد أن يدعوها ذلك إلي مراجعة موقفها منه‏..‏ وابراء ذمتها من ظلمها له ومطالبته بما لايطيقه‏..‏ ولا شك أن المشكلة القائمة حاليا بينك وبين زوجتك هي في النهاية مشكلة وقتية لن يلبث الزمن أن يجد لها الحل الموفق لها بمبضعه الذي لايخيب‏..‏ فاعتصم بالصبر ياصديقي‏..‏ ولا تستجب الآن لنصيحة زوجتك لك بالزواج من غيرها لأنك لن تسعد في مثل هذا الزواج المقترح‏..‏ وانما اصبر وانتظر‏..‏ ولا تدفع الأمور بأكثر مما تحتمله ظروف زوجتك النفسية الحالية وتأكد من أن لك لدي زوجتك القبول النفسي الذي يصلح أساسا كافيا لعلاقة الزواج السليمة بعد حين‏,‏ بدليل توجهها لك بالرجاء لأن تعقد قرانك عليها لكيلا تغادر بيت الأسرة‏,‏ حتي ولو كانت قد اشترطت عليك أن يكون زواجك بها صوريا‏..‏ ففي تقديري أنها لو لم تكن تقبل بك نفسيا ولا تنطوي لك علي أية مشاعر عدائية أو نفور منك من البداية لما سعت لأن ترتبط بها مثل هذا الارتباط ولتحملت العودة إلي أهلها ومواجهة ضغوطهم للزواج مرة أخري لأن ذلك أرفق بالمرأة من ارتباطها بأي نوع من الارتباط بمن تنفر منه ولا تطيق وجوده في دائرة تنفسها‏,‏ لكنها فقط هذه الاشكالية الإنسانية التي لم تستطع بعد التكيف معها وهي أن تحل أنت منها محل أخيك الراحل في هذا المدي الزمني القصير‏,‏ وهي اشكالية الزمن وحده هو الكفيل بحلها‏..‏ فأرجو ألا يطول بك الانتظار لمفعوله السحري لكيلا تتجرع عذاب الحرمان ممن تشاركها الحياة لفترة طويلة‏..‏ فاذا طال الانتظار عما تطيقه أو بدا لك أن زوجتك تصر بالفعل علي مخالفة الطبيعة وعدم التكيف مع الواقع الجديد إلي النهاية‏,‏ فلا مفر في هذه الحالة من الزواج مرة أخري وتحمل هذا العناء الجديد الذي ستفرضه عليك هذه الظروف الإنسانية‏..‏ كما فرضت عليك من قبل هذه التضحية العائلية‏..
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;