الأحد، 18 نوفمبر 2018

رسالة (الجائزة الثانية)..النكد الزوجي


أنا يا سيدي رجل في السادسة والأربعين من عمري أشغل وظيفة في الأبحاث الفنية حيث يتطلب عملي إيجاد حلول للمشاكل الفنية مما يستدعي التفكير والتركيز وإجراء عشرات التجارب وأجد متعتي في هذا العمل وأحقق فيه نجاحا طيبا والحمد لله .. لكني عاجز عن إيجاد حل لمشكلتي الشخصية مع زوجتي التي تصغرني بعشرة أعوام .. فرغم أني أحب أسرتي ولا أخرج إلا معها ومع أولادي ودائما أذهب بهم إلى المصايف والنزهات ..فهي لا تشاركني مشاكلي وحياتي واهتماماتي ولا تتحدث معي إلا نادرا ..!
وبالرغم من ارتفاع أسهم جمال وجهها الذي كان يشرق بالبسمة والمرح قبل الزواج وبعده وحتى إنجاب الأطفال, فإنها دائما عابسة مكفهرة الوجه



 وصوتها عال مع كل من تتحدث معه سواء كنت أنا أو رئيسها في العمل ودائمة الشجار مع الأبناء " في الفاضي والمليان " ولا تأخذ الأمور بالمرح ..وتحول أبسط الأمور إلى مشاجرة بالضجيج والتشنج والعصبية ولا تتسامر معي أو تؤنس وحدتي أو تخفف عني متاعب العمل والتفكير , فإذا خرجنا لزيارة عائلية لأحد أقاربنا نعود فتتشاجر معي لأن  " فلانا " الذي كان في الجلسة ثقيل الدم وكان يردد كلاما يقصدها به , أو لأن فلانة صافحت الجميع ما عداها وتطلب مني أن أرد لها حقها وأتشاجر مع من تظن أنه يقصدها بكلامه وإلا كنت مقصرا في حقها ومتخاذلا ولا أحميها , ثم تغلق على نفسها باب الحجرة ولا تكلم أحدا ولا تأكل ولا تشرب وتترك لي رعاية الأولاد ..بل وأحيانا تترك البيت بلا نظافة وبلا طهي للطعام سواء للأبناء أم لي عدة أيام فيبدو وكأنه بيت مهجور بل وأحيانا أيضا تنام بنفس " الفستان " الذي خرجت به  وتظل مرتدية له يومين ليلا ونهارا مع أن ثمنه لا يقل عن مائتي جنيه , ثم قد ترميه بعد ذلك بلا اكتراث وهكذا كل شيء في البيت تستطيع الاستغناء عنه بلا تفكير , فأحيانا تهدي فستانها الجديد لإحدى صديقاتها .. وأحيانا تهدي الغسالة القديمة أو البانيو القديم لأي أحد بحجة أنها أشياء قديمة وتزحم البيت .




فإذا حصلت على أجازة واصطحبتها مع الأولاد إلى أحد المصايف أملا في أن نقضي بعض الأيام السعيدة أجدها محتملة يوما أو بضعة أيام .. ثم ترتد إلى النكد والعبوس والصياح الذي يصل إلى التشنج في بعض الأحيان فلا أكمل الأجازة وأعود قبل انتهائها .
وكثيرا ما نصحتها وطلبت منها أن تريحني وأن نتفاهم في كل شيء وأوضح لها الخطأ والصواب وكثيرا ما واجهتها أمام أهلها بما تفعل بلا فائدة .. ولا أجد مفرا سوى تركها على ما هي عليه والصبر عليها لأني لا أريد أن أضحي بمستقبل أولادي فأصبر لعل الله يهديها أو يحكم بيننا بالحق في الدنيا أو الآخرة لكني أضيق يا سيدي بما أحتمل في بعض الأحيان ..


وأجد نفسي بعد انتهاء عملي وبعد عناء يوم طويل غير راغب في العودة للبيت الذي لا أجد فيه راحتي ولا أجد فيه من يستقبلني ويسامرني ويشعرني بأن لي زوجة تشاركني الحياة إذ كثيرا ما تركتني أنام وأنا غاضب عليها .. وكثيرا ما تركت البيت إلى العمل وأنا غاضب من أفعالها مما عرضني أكثر من مرة لبعض الحوادث بسبب قيادتي للسيارة وأنا مغتم ومهموم ولا أكاد أرى الطريق من سوء أفعالها ..فهي دائما نكدية وغير مهتمة بنفسها وغير نظيفة رغم جمالها وغير عابئة بأي شيء فلا حنان ولا مودة ولا مشاركة ..وهي إذا أرادت شيئا ولم أنفذه لها تظل ثائرة غاضبة وصوتها عال وإذا فتحت الراديو فالصوت عال وكل اهتمامها مركز في مشاهدة الفيديو .

إن جمال زوجتي يا سيدي لم يعد يساوي عندي شيئا .. ولم أعد أحس به أو أراه لأنه يختفي تحت قبح الطباع .. ودوام النكد والعبوس .. وأرجو ألا تتصور أني مقصر في حقها .. فالحق أنني مثالي معها ومع الأبناء وآخذ الأمور بالحزم وأحيانا باللين وفي معظم الأحيان بالصبر .

لكن زوجتي لا تشعر بالمسئولية رغم أنها حاصلة على الماجستير وقد نصحتها مرارا وشكوت لها متاعبي معها فكان ردها علي هو أن أتزوج لكي أرى الفارق بينها وبين غيرها لأنها – ولا تعجب – تعتبر نفسها " مثالية " مع أني لست أول من يحكم عليها بغير ذلك وليس لها صديقات سوى اثنتين فقط , ولقد بدأ تركيزي في عملي يتأثر بما أعانيه  من هموم هذه الزوجة بماذا تنصحني أن أفعل معها .. هل أسرحها بإحسان !
إنني أخشى أن أفعل ليس حبا فيها وإنما حرصا على أولادي فماذا أفعل ؟


ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع)

مأساة بعض الزوجات أنهن يحفرن قبور سعادتهن الزوجية بالتدريج بسلسلة من حفرات النكد الصغيرة التي تبدو تافهة في البداية ..ثم تنهدم الجدران الهشة بين الحفر الصغيرة ذات يوم فتتحول فجأة إلى هوة سحيقة تفصل بين الزوجين حتى ليتعذر عليهما بعد ذلك الاتصال والاستمرار .. ومن هنا تأتي خطورة هذا الرصيد المتزايد من حفر النكد التي تحفرها بعض الزوجات وبعض الأزواج لشركاء الحياة ..فالنكد هو أمضى سلاح لقتل الحب والسعادة ., وهو الذي دفع كاتبا عظيما كتولستوي إلى أن يتسلل من بيته ذات ليلة شتاء ممطرة وهو في الثامنة والثمانين من عمره ليهيم على وجهه فرارا من زوجته البشعة ولكي يعثروا عليه بعد 11 يوما ميتا بالالتهاب الرئوي في محطة مهجورة للسكة الحديد ثم فيما بعد تعترف زوجته لابنتيها بأنها قتلت أباهما بالنكد .. فيؤمنان على اعترافها الخطير .. بعد فوات الأوان .



وهو أيضا الذي دفع الفيلسوف الإغريقي لأن ينصح مريده قائلا له تزوج يا ولدي فأنت الفائز في الحالين فإن كانت زوجتك طيبة عشت سعيدا ... وإن كانت سيئة ..تعلمت الحكمة وصرت فيلسوفا !
ويبدو أن أقدار بعض بعض الأزواج والزوجات هي أن يتعلموا الحكمة حرصا على مصلحة أبنائهم وعلى حساب سعادتهم وهنائهم معظم سنوات العمر لكن الحرص على سعادة الأبناء ينبغي أن يكون من ناحية أخرى حرصا متبادلا من الطرفين .. فإذا افتقده طرف ولم يرع الله فيهم كان حرص الآخر على استمرار الحياة من أجلهم إلى ما لا نهاية تنازلا مستمرا يغريه بالتمادي والاستهتار ...


لهذا يحتاج الإنسان أحيانا إلى أن يحس بالخطر لكي يدافع عن حياته ومملكته بإعادة النظر في أمره ومراجعة تصرفاته والتقدم من الطرف الآخر خطوات لكي يتواصل اللقاء ولا تتسع الهوة باستمرار بينهما .. وأغلب ظني أن زوجتك في حاجة إلى شيء من هذا " الخوف " البناء الذي يدفع الإنسان لأن يبادل الآخرين حرصهم عليه بحرصه عليهم ولو أوتيت زوجتك البصيرة لفهمت مغزى حديثك المرير عن جمالها الذي لم يعد يساوي شيئا عندك ولم تعد تحس به .. لأن الجمال فعلا هو جمال الروح والطبع وليس جمال التماثيل الجامدة التي لا روح فيها ولا إيناس ... ولأن المرأة الجميلة تفقد جمالها في اللحظة التي يعلو فيها صوتها بالشجار والتشنج والإيلام ولا تشك أنك كنت تحبها حبا كبيرا ما زالت بعض بقاياه مستقرة في قلبك .. لكن إدمانها للنكد والتشنج وإهمالها لحقوقك كاد ينزع من قلبك ما بقي لها من رصيد فيه .. لأن النكد هو فعلا قاتل الحب والسعادة وليس شيء آخر , فأنذرها يا صديقي بأنك لن تستطيع أن تحتمل الحياة معها على هذا النحو إلى مالا نهاية .. وقاوم ضعفك تجاهها .. واهجرها بغير أن تغادر البيت .. ثم دعها لنفسها لفترة تعيد التفكير في الأمر لعلها تفيق وتتذكر واجباتها تجاه أبنائها وتجاهك وتجاه ربها ... فإن استمرت في غيها ..ولم تشأ أنت – غير ملوم وتقديرا لمصلحة أبنائك -  أن تفصل ما بينك وبينها .. فواصل الصبر والاحتمال من أجلهم لعلهم يعرفون لك ذلك ذات يوم وفز في هذه الحالة بالجائزة الثانية من جائزتي الزواج وتعلم الحكمة على حساب راحة القلب ... والأمر لله ! .

انشر
-

هناك تعليق واحد:

  1. رضوان الشوربجي3 أكتوبر 2020 في 4:16 م

    انت الذي اعنتها على ما وصلت اليه بتمسكك الشديد بالا ينهار هذا البيت و حرصك على استرضائها

    ردحذف

;