الخميس، 5 ديسمبر 2013

رسالة (الشبح القديم !! )..مش حتقدر تمسك دموعك؟؟؟؟

اكتب اليك ياسيدى وانا فى حيرة من امرى.. وارجو ان تشير على بما تراه الحق والعدل والصواب.. فانا شاب فى الرابعة والعشرين واجهت الحياة منذ طفولتى اذا صح ان اقول انه كانت لى طفولة .. فلقد تنبه وعيى وانا طفل صغير على المشاجرات الدائمة بين ابى وامى بسبب ترك ابى للعمل كل فترة وعدم الانفاق علينا 
وذات مرة امتنع ابى عن دفع ايجار الشقة التى كنا نقيم فيها لأكثر من ستة شهور فاقترضت أمى قيمة الايجار المتأخر من اخوتها وذهبت لتدفه لصاحب البين لكنه سامحه الله كان يدبر لطردنا من المسكن فحصل على حكم من المحكمة بطردنا، ووجدنا انفسنا ذات صباح ونحن 6 من الأطفال نقف فى الشارع مع اثاثنا ونحن نبكى وامى تتركنا بجوار العفش لتبحث عن غرفة نقيم فيها ..
وبمعجزة من السماء عثرت امى فى نفس اليوم على غرفة خاليا نقلنا اليها العفش وتكدسنا داخلها .. وبدأنا نواجه الحياة وحدنا بعد ان تركنا ابى وابتعد .. كنت فى ذلك الحين تلميذا فى الصف الثالث الابتدائى.. وكانت اختى فى الرابعة عشرة فعملت بالخياطة لقاء عدة قروش كل يوم فى مشغل قريب، اما انا فلقد عملت فى جراج للسيارات اذهب اليه فى السادسة صباحا واعمل فيه حتى الثامنة مساء، وفى نعاية اليوم يعطينى صاحب الجراج سبعين قرشا آخذها شاكرا لأعطيها لأمى لتساهم مع اجر اختى فى تدبير حياتنا، وأرادت امى ان تعلم فمنعناها لأنها مريضة وتذهب للمستشفى كل يومين وصبرنا على حياتنا الجافة التى لا استطيع ان اصف مدى جفافها لكن يفكى ان اقول لك اننا كنا نعيش خلالها على الخبز "الرجوع" والملح فقط لا غير ، وفى الصباح وفى الظهر وفى المساء وان اياما طويلة كانت تمر لا يدخل جوفنا سوى العيسش "الرجوع" والملح والماء.. والحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه.. فهل تعرف ما هو الخبر "الرجوع"؟ انه ياسيدى الخبز البائت الذى يجف ويتكرمش فتعيده محلات البقالة الى المخبز لعدم بيعه، فيقوم المخبز ببيعه بربع الثمن لربات البيوت الفقيرات فيستخدمه كطعام للطيور او لمحلات الطعمية التى تفرمه على عيجنة الطعمية، وكانت امى تواظب على شرائه من المخبز بحجة اطعام الطيور خجلا من صاحب المخبز وعماله ولم يكن لدينا طيور ولا نسور انماكان لدينا الستر والصبر على ظروف الحياة.. لكن رائحة الفقر نفاذة ياسيدى ولا يمكن اخفاؤها طويلا لهذا شك صاحب المخبز بعد شهرين او ثلاثة فى حكاية الطيور هذه لأن ربات البيوت لا يتشرين هذا الخبز بانتظام 30 رغيفا كل يوم .. وانما يشترينه مرة كل اسبوع او كل عدة ايام لهذا ناداها حين جاءت لتشترى هذا الخبز ذات صباح وسشألها عن قصتها .. والح عليها للتكلم فروت له القصة كلها فاستعاذ الرجل بالله من الشيطان وسب ولعن وصب جام غضبه على أبى الذى تركنا بهذا العذاب ثم امر عماله بأن يعطوا امى ثلاثين رغيفا طازجا كل صباح بغير مطالبتها بثمنها.. لأن الخساب معه !! وهكذا حفظ لها كرامتها امام عماله .. وواظب على ذلك عدة سنوات بل كان يرسل هذه المقطوعية مع احد صبيانه الى البيت اذا لم يذهب احد لتسلمها.. ولم يقبل ثمنا لهذا الخبز الا بعد ان تخرجت الختى الكبرى من المدرسة التجارية بعد ذلك بسنوات وعملت باحدى الشكرات الحكومية وقبضت الو مرتب لها.. وذهبت اليه امى لشكره ومعها المصحف لتقسم عليه اماه انها تستطيع الأن ان تدفع ثمن ما تشتريه 
وكنت انا فى ذلك الحين قد عملت فى محل تجارى بضعة قروش كل يوم.. كنت اخرج من المدرسة فأذهب اليه حتى التاسعة مساء ثم اعود الىمسكنى فأجد اخوتى الصغار يذاكرون او يسمرون مع امى لأن رغم قسوة حياتنا اصرت على تعليمنا .. ولم يكن ذلك طموحا ولا ترفا وانما فقط وسيلة للنجاة من ظروفنا.. فقد كانت تقول لنا انه لا اب لكم .. ولا مال .. فليس امامك سوى التعليم لتجدوا لقمة العيش وكن ذلك اكبر حافز لنا على النجاح والتقدم فلم يرسب احد منا جمعيا سنة واحدة.. ولم نعرف بالطبع الدروس الخصوصية ولا حتى مجموعات التقوية بالمدارس.. بل كان اخوتى الصغار يعملون فى الصيف ويدخرون ما يكسبون لانفاقه خلال السنة الدراسية.. اما انا فكنت أعمل صيفا وشتاء، وهكذا مصت بنا الحياة فتزوجت اختى الكبرى وجهزت نفسها بنفسها من مرتبها وتخرجت اختى التى تليها من المدرسة التجارية وتوزجت وعملت وجهزت نفسها بنفسها .. واخترت انا التعليم المتوسط لأختصر المشوار ولأتيح لشقيقى الذى يلينى دخول الجامعة لأنه كان متفوقا باستمرار فى دراسته وحصلت على شهادتى .. وجاء دورى فى التجنيد فحاولت قدلا الامكان تأجيله بسب ظروفى فلم انجح واستسلمت للمصير والتحقت بالخدمة فتوقف دخلى من عملى واصبحت اعمل مدة 4 ايم كل اربعين يوما فلا يكفى اجرى خلالها لمتلطباتنا وطوال هذه السنوات الطويلة لم افرك فى اللجوء الى اهل ابى او اطلب مساعدة من عمى لكنى ضعفت ذات يوم حين جاء موعد ذهابى للوحدة ولم يكن فى جيبى قرش واحد .. ولم يكن مع امى مليم .. وخجلت ان اقترض من شقيقتى المتوجتين لكيلا يطلع زوجاهما وهما "غريبان" على احوالنا.. ففكرت لأولمرة فى الذهاب الى عمى لأقترض ممنه جنيها او جنيهين وذهبت مشيا على الاقدام الى بيته ووصلت مجهدا الى مسكنه وطرقت الباب ففتحته لى زوجته .. وقبل ان أتكلم قطبت فى وجهى وقالت لى: ماذا تريد .. اننا لا نعرف شيئا عن ابيك .. ! فجمد لسانى.. ولم اتكلم ووجدت نفسى استدير وأنزل السلم وانا اكاد اتعثر فيه.. ونويت ان اسير المسافة على قدمى الى الكيلو 22 شفى طريق السويس .. او اتنطط بين الأتوبيسات كلما وجدت فرصة .. ومشيت على قدمى حزينا .. مطأطأ الرأس، فرأيت بطاقة شخصية فى غلافها البلاستيك ملقاة على الأرض شفالتقطتها وقدرت انها فقدت من صاحبها .. وأنه لابد مهموم بالبحث عنه فأمسكتها فى يدى وانتويت حين اصل الى الوحدة ان اقترض من زملائى بضعة قروش لأضعها فى خكاب وارسلها الى صاحبها .. وقلبت البطاقة بين يدى فاذا بى اجد داخلها اربعين قرشا!!

فأسرعت اركب الأتوبيس الى وحدتى .. وأروى لزملائى ماحدث .. وأقترض منهم ما انفقته فى الوصول للوحدة ثم وضعت البطاقة والمبلغ فى ظرف وأسقطته فى صندوق البريد .. وأنا احمد الله وأتعجب من حكمته .
وانتهت فترة الخدمة العسكرية بخيرهما وشرهما وخرجت وقد آليت على نفسى ان أكرس جهدى لاسعاد اخوتى الصغار الذين يدرسون فى الجامعة وفى المدرسة .. ولاسعاد امى المكافحة الصابرة ولعلاجها ايضا من امراضها .. وتسلمت عملى الحكومى وبدات حياتنا تعرف لأول مرة نسيم الراحةفرغم ضآلة مرتبى فهو يكفى بالكاد لمتطلبات حياتنا .. وقد مضت سنواتنا الصعبة وتحملناها .. ولن يكون المستقبل مهما حدث اشد قسوة من المتضى .. ونحن رغم بساطتنا والحمد لله اغنياء بأشياء كثيرة زز فنحن اسرة متحابة متعاونة نساعد بعضنا البعض ويقدر كل فرد منا للآخر صلابته وكفاحه.. وشقيقتاى موفقتان والحمد لله فى حياتهما مع زوجين على خلق كريم وهما يزوراننا يوم الجمعة فيتحول مسكننا الى واحة من الحب والسعادة ولا ينقطعان عن زيارة امى واخوتى فى كل فرصة ونحن نزورهما فى المناسبات ونؤدى الواجب معما حسب قدرتنا.

وبدا لنا ان الحياة قد بدأت ترضى عنا اخيرا .. وفى هذه الظروف فوجئت بعمى الذى طردنا سامحه الله ونحن اطفال صغتر ذات يوم حين لجأنا اليه، يأتى الى مسكننا ويطلب محادثتى فخرجت معه وجلسنا فى المقهى فاذا به يطلب منى ان يعود ابى ليعيش مهنا بعد ان اصبح شيخا عجوزا حولولا قوة لأنه اصبح غير قادر على العمل وتوقف عن العمل منذ فترة طويلة فعقدت الدهشة لسانى وكدت أسأله .. واين كان ابى وهو يكسب الكثير وينفق الكثير بعيدا عنا واين كان ونحن اطفال صغرا نأكل خبز الرجوع زنبتلعه بالمح واين .. وأين .. لكنى استحييت ان اسىء اليه بكلمة وهو ابى ووعدته بالتفكير والرد عليه وتركته وقد تجددت همومى وهاجت احزانى.. صحيح هو ابى رغم كل مافعل بننا .. وسوف "يتكلم" الناس عنا لو لم نقبله .. لكن كيف انسى ما فعله هو واهلخ معنا.. واين لى ان انفق عليه ومرتبى يكفى مكالبنا بالكاد .. وانا لا افكر فى زواج ولا مستقبل ولا افكر سوى ان ينهى اخوتى تعليمهم وان يجد كل واحد منهم طريقه فى الحياة .. وحين يحدث ذلك قد افكر ذات يوم فى نفسى وفى مستقبلى..

اننى فى حيرة من امرى واسألك ماذا افعل بغير ان اغشب ربى الذى سيحاسبنى عن ابى ان لم احمه وآوه من برد الشتاء وحر الصيف وسأفعل ما تشير على به وسأرضى بحكمك لكنى فقط سأطالبك بأن توجه كلمة للآباء تحثهم فيها على ان يرحموا ابناءهم.. وأن يتحملوا مسئولياتهم عنهم .. والا يتركوهم للحياة تصارعهم كما صارعتنا..

و لكاتب هذه الرسالة المريرة اقول:
انى لو تركت نفسى لانفعالها برسالتك لطالبتك بأن توصد بابك فى وجه هذا الأب الظالم وان تقبض يدك عنه وانت غير ملوم.. لكننا لا نستطيع ياصديقى ان نتبع اهواءنا وننقاد لانفعالاتنا لأننا مطالبون بأن نستجيب لما تمليه علينا قيمنا الدينية والخلقية والانسانية.. حتى مع من ظلمونا وتخلوا عن واجبهم تجاهنا..

وفى ضوء هذه المعايير اقول لك انك لا تسطيع ان تتنصل من بنوتك لمن تنصل من ابوته لك.. وما اخالك ستفعل ذلك وانت الشاب المافح امين الذى يظلل الحب الأسرى حياتك رغم قسوتها.. وانما انت فقط تتأمل مفارقات الحياة وتتعجب ممن ترككم فى اليم غرقى.. فلما لاطمتم الأمواج ولاطمتكم وسحبتم الى الشاطىء بعد كفاح مجيد.. جاء اليكم يطالبكم بنصيبه من صيد الرحلة الشاقة.. وهو صيد زهيد شحيح لا يكاد يقيم اودكم. انت تتأمل ياصديقى وعجب ومن حقك ان تفعل وانا اعجب معك من ابيك ومن امثاله من الأباء والأمهات الذين يتصورون ان الله يحاسب الأبناء وحدهم عن عقوقهم .. ولا يعرفون ان حسابه اشد واقسى لم استودعهم الله ودائعه فتخلوا عنها او اساءوا اليها .. ولم يؤدوا حقوقها اليها.. وودائع السماء هذه هى الأبناء الذين يسأل المرء عما فعل بهم وعما قدم لهم.. وعنهم قال الرسول الكريم "رحم الله امرأ اعان ابنه على بره" أى رحم الله من اعان ابنه بعدله معه ورحمته وادائه لواجبه له على ان يكون نعم الابن البار به فى ضعفه وشيخوخته لأن اأبوة ليست مجرد علاقة عضوية .. ولآن الأب الغائب بلا ضرورة عن ابنائه ولا يرعاهم ولا يكفلهم ولا يحميهم من اعاصير الحياة ليس أبا بالمعنى الانسانى الصحيح واى انسان يؤدى هذه الواجبات تجاه الابناء الصغار قد يكون احق بصفة الأبوة منه.. لذلك فقد اعجبت كثيرا بشهامة صاحب المخبر الذى لم ينجبكم ولكنه استشعر بحسه الانسانى الصادق مدى مأساتكم .. ولم يتردد فى ان يقدم لكم ما تسمح له به قدرته من ماسعدة بذوق وكياسة تستحقان الاعجاب..
 

هذا هو الوجه الآخر لنموذج ابيكم الذى ترككم فى مهب الريح لا يدرى عنكم شيئا كل هذه السنين..

ومع كل ذلك فان خلقك المستقيم لن يسمح لك بالتخلى عمن تخلى عنكم لأنه ابوك فى النهاية كما قلت انت فى رسالتك صادقا ومبعرا عن قيمك الدينية الصحيحة.. لكنك لا تملك هذا القرار وحدك يا صديقى وانما تملكه قبلك هذه الأم الصابرة المكافحة وعودته الى حياتكم يجب ان تلقى قبولها اولا وقبل كل شىء .. فاذا كانت على استعداد لأن تصفح عنه وان تجمع معه شمل الأسرة الذى انفرط منذ سنين .. كان خيرا وأتقى . اما اذا كان العكس فلا احد يستطيع ان يرغمها على معاشرة مثل هذا الزوج بعد كل ما عانت فى حياتها من آلام .. وفى هذه الحالة لا تملك انت الا ان تؤدى واجبك الانسانى معه بأن تبره بقطرة من مائك الشحيح وبأن تصله انت واخوتك كل حين.. وليغفر الله له ولأمثالة .. ولتعوضكم الحياة عما لقيتم فيها من عناء ومعاناة .. خيرا عميما.!!
انشر
-

هناك تعليقان (2):

  1. القصه حزينة جدا و اثرت فيا اوي

    ردحذف
  2. لا يا اخي ليس ابوك و لقد عقكم قبل ان تعقوه ولا حق له عندكم هذا رايي الشخصي فلا مجال للحكمة و الصبر مع من مثل هذا النوع

    ردحذف

;