الثلاثاء، 3 يناير 2017

رسالة ( الزائر الغريب)..ماتت الابتسامة .. وتكلمت دموعي

بدأت مشكلتي حينما طلق أبي أمي بسبب التدخل المستمر من جانب عماتي في حياتهما, فحملتني أمي على كتفها طفلة عمرها عامان ولجأت إلى بيت أختها بعد أن طردها أبي سامحه الله فرحبت بها خالتي وزوجها أكرمهما الله وعشنا معهما عامين رحلت بعدهما أمي كسيرة النفس حزينة فأصبحت يتيمة الأبوين رغم وجود أبي على قيد الحياة فنشأت في بيت خالتي لا أعرف لي أما غيرها ..ولا أبا غير زوجها الذي وجدت نفسي أناديه بكلمة "بابا" منذ بدأت أتعلم الكلام .
 
وكان بحق أبا حقيقيا لي لا يفرق بيني وبين أبنائه, إن لم يميزني في المعاملة عليهم رحمة بي وبظروفي ويتمي وكان يعمل موظفا حكوميا ويخرج من عمله ليعمل عملا آخر يستعين به على مواجهة الحياة وتساعده زوجته بالعمل بالخياطة على قدر جهدها لكي تلبي بعض احتياجاتنا , ومع ذلك فقد أدخلاني أحسن المدارس ...وعرضاني على أحسن الأطباء كلما مرضت , بل وحرصا على أن يقيما حفل عيد ميلادي كل سنة , وحفل نجاحي في المدرسة كلما نجحت وكنت أنجح باستمرار حتى لا أخيب ظنهما .

وكل ذلك يا سيدي وأبي لا يدري عني شيئا ولا يحاول أن يراني ولو مرة واحدة .. ويكتفي بإرسال مبلغ عشرين جنيها كل شهر مع أحد أصدقائه إلى بيت خالتي حتى لا يضطر للحضور لرؤيتي , ومضت السنوات وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة حتى التحقت بإحدى الكليات العملية وكل ذلك ومبلغ العشرين جنيها الذي يرسله لي أبي كما هو لا يزيد منذ كنت في الحضانة ولا يتأثر بأي عوامل !

وخلال هذه السنوات الطوال لم أره لكني سمعت أنه قد تزوج ثلاث مرات وفشلت زيجاته كلها , وأنه يعيش مع شقيقتيه اللتين لم تتزوجا ولم أرهما طوال هذه السنين إلا نادرا وأنه قد كتب ما عنده لشقيقتيه وأبناء أخيه ولم أهتم بذلك لأني كنت قد تعودت على غيابه وعلى اعتبار نفسي فردا من أسرة خالتي .

وذات يوم فوجئت بخالتي تدخل علي حجرة النوم مضطربة  وتدعوني إلى مقابلة زائر في الصالون واكتشفت بعد قليل أن هذا الزائر الغريب هو أبي الذي جاء بعد عشرين سنة ليراني وأنا في الثانية والعشرين من عمري شابة على وشك التخرج .. ورغم تناقض مشاعري فقد فرحت لأن مشاعر الأبوة قد تحركت في قلبه فجأة فجاء ليطمئن علي ..لكن الفرحة لم تطل .. فقد صدمت بعد دقائق لأنه لم يجيء لرؤيتي وإنما ليأخذني للحياة معه ومع عمتي , فماتت الابتسامة على شفتي في الحال .. وتكلمت دموعي ..ونظرت إلى زوج خالتي مرتاعة ..فطمأنني ..ثم راح يرجو أبي أن يتركني أعيش معهم عارضا عليه أن يتوقف عن إرسال العشرين جنيها فسألني أبي عن رأيي .. فلم أتردد في أن أصرح له بأني أريد أن أواصل الحياة مع أسرة خالتي , فنهض غاضبا وهو يكاد يضربني قائلا : إنني يجب أن أعيش معه سواء وافقت أو لم أوافق .. وحين رأى أني لم أستجب للتهديد انصرف وهو يتوعدني بأن حسابي مع ربي كبير !

وغادر أبي البيت وتركنا جميعا نبكي أنا وخالتي وزوجها .. وأخوتي منهما .. وبعد أن هدأت العاصفة قليلا قال لي زوج خالتي أنه لا يرغمني على الحياة معهم لكن بيته سيظل مفتوحا لي طوال العمر , فانفجرت مرة أخرى في البكاء وقلت له أني لم أعرف لي أبا غيره وأنني لا أريد أن أحيا إلا في بيته فارتاح لذلك وأكد لي أنه لن يتخلى عني .. ولن يقصر في التمسك بي والدفاع عني وتوقفت الأزمة مؤقتا وأريد أن أسألك هل صحيح أن الله سوف يحاسبني لأني رفضت أن أغادر بيت خالتي إلى بيت أبي .

إنه لا يحتاجني كما يحتاج أي أب لابنته بدليل أنه لم يرني منذ عشرين عاما .. لكنه يحتاج إلي لكي أخدمه وأخدم شقيقتيه بعد أن تعذر عليه الزواج للمرة الرابعة .. وهو في صحة جيدة ولا يحتاج لأي رعاية من هذا الجانب لكنه وعماتي يحتاجون إلى خدمة .. وأنا من فكروا فيها لكي يعيدوها إلى البيت بعد هذا العمر الطويل لكي تخدمهم فهل يكون عدلا أن ألبي مطالبهم وأترك أهلي الذين تحملوا الكثير من أجل تربيتي .. إن ابن خالي يحبني ويرغب في الزواج مني وأبي وأمي الحقيقيان سعيدان بذلك , لكنه مسافر إلى الخارج ليبني نفسه وانتقالي إلى بيت أبي لن يؤثر على هذا الزواج .. لكني لا أستطيع أن أتخيل نفسي بعيدا عن بيت أسرتي التي نشأت بينها ولا أستطيع أن أعاشر إلا من أعرفهم بالكاد وهم أبي وعمتاي .. وضميري مرتاح إلى اختياري لأسرة خالتي لكني أسألك هل حقا سوف يحاسبني الله على ذلك كما قال لي أبي وهو يغادرني غاضبا ؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

من يزرع الشوك ليس من حقه أن يتعجب إذا لم يجن الزهور ! والأبوة في معناها الحقيقي ليست انتماء بالاسم أو بشهادة الميلاد فقط , لكنها انتماء بالحب والرعاية والمسئولية والقوامة فأين هو من كل ذلك .

إن أباك الحقيقي هو زوج خالتك الذي كافح لتربيتك وإعالتك وعاملك كأبنائه بل وميزك عنهم رحمة بك وبظروفك , وأمك بالرعاية والحنان هي هذه السيدة الفاضلة التي تحملت مسئولية تربيتك منذ كنت في الرابعة من عمرك , ورأيي-وأستغفر الله إن أخطأت أو تجاوزت- أن تخليك عنهما بعد أن شقيا في تربيتك وتنشئتك حتى صرت شابة  ناضجة على وشك التخرج في الجامعة هو ما سوف يحاسبك الله عليه , وليس أي شيء آخر .. أما أبوك فلقد أهدر معظم حقه عليك حين تخلى عنك وعاش 20 سنة لا يفكر في رؤيتك حتى حركته دوافع المصلحة غالبا إلى التفكير في ضمك إليه .. وليس هكذا تكون علاقات الأبوة كما أرادها الله سبحانه وتعالى ولا العلاقات الإنسانية .

عموما فإني أقول لك إنني أستريح إلى اختيارك لأسرة خالتك لكني أطالبك فقط أن ترعي الله في علاقتك بأبيك فلا تقطعي صلتك به .. وزوريه من حين إلى آخر , وصليه كما تصل الفتاة المتزوجة أباها ..


واسأليه برفق أن يتقبل رغبتك في الاستمرار بين أسرة خالتك بحكم النشأة والرعاية والعرفان بالجميل .. وهوني عليه الأمر بأنك ستتزوجين بعد قليل وستغادرينه إن عاجلا أو آجلا إلى بيت زوجك .. فليعتبرك من الآن زوجة تقيم في بيت زوجها .. عفا الله عنه وعنك وعن الجميع
انشر
-

هناك تعليق واحد:

  1. سلام عليكم
    و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ....
    عزيزتي ليس عليه حق البر ...فهو لم يبرك من البداية .....
    واحمدي الله أن جعل لك من خالتك ام و من زوجها اب ....بارك الله لهما و بارك فيك

    ردحذف

;