الثلاثاء، 3 يناير 2017

رسالة (زهور الصبار)..من أحبني أحب كلبي

أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمري أعيش مع أبي وأمي وشقيقة تكبرني بعامين ونحيا حياة عادية ونسكن في شقة من ثلاث غرف واسعة في حي قديم .. بها كل الكماليات ولنا أنا وأختي غرفة خاصة بنا بها سريران وبعض المقاعد وتسريحة واسمها في البيت غرفة البنات ولأمي وأبي غرفة خاصة بهما والثالثة للصالون .. أما السفرة فمكانها الصالة وقد استبدلناها منذ فترة قصيرة بسفرة مستديرة صغيرة الحجم ليتسع لنا المجال للحركة في الصالة ...
ولكي نحول جزءا منها إلى غرفة معيشة نشاهد فيها التلفزيون , وأمي سيدة تعلمت حتى الإعدادية وتقرأ الصحف والمجلات وتحب مشاهدة المسلسلات التلفزيونية ومباريات الكرة , أما أبي فهو أيضا تعلم في المدرسة وحصل على الابتدائية القديمة ولم يواصل تعليمه الثانوي لأنه تفرغ للعمل مع والده وهو الآن في الرابعة والخمسين من عمره ويجيد القراءة والكتابة ويهتم بقراءة الصحف اليومية ويقرأ كل شيء فيها حتى الإعلانات ويهتم اهتماما خاصا بقراءة صفحة الوفيات .
وقد حرص على تعليمنا وعلى توفير الجو الملائم لنا ولم يبخل علينا بشيء من ناحية الكتب والدروس الخصوصية وخاصة في الثانوية العامة حتى تمكنا من اجتياز عقبتها من أول مرة وبمجموع متوسط فالتحقت أختي بكلية نظرية ..وتخرجت فيها بتقدير جيد ...ولحقت أنا بها في نفس الكلية بعد عام وتخرجت فيها بنفس التقدير ثم خرجنا للعمل , ولأن فرصتنا في التعيين لم تأت بعد فقد عملنا في أكثر من عمل بالقطاع الخاص ونحن حاليا نعمل في مكتبين مختلفين وننتظر فرصة أفضل لعمل أكثر ثباتا وضمانا .
وخلال دراستنا في الكلية وخلال عملنا حرصنا أنا وأختي على أن نظهر دائما بالمظهر اللائق من حيث الملابس فكنا "وما زلنا" والحمد لله نرتدي الملابس الأنيقة البسيطة التي تساعدنا أمي في تفصيل بعضها ونشتري البعض الأخر من راتبينا .. ويهدينا أبي بعضها في المناسبات والحقيقة أننا وبغير تواضع جميلتان .. إن لم نكن جميلتان جدا كما أننا معروفتان بالأناقة والشياكة .. وجيراننا وحتى والدنا يتعجبون من أناقتنا ومن أن كل ما نرتديه يصبح جميلا علينا ولو كان رخيصا .. والحمد لله على ذلك لأننا نرى حولنا في العمل من يرتدين ملابس فاخرة لا نقدر على ثمنها ومع ذلك لسن أنيقات وآسفة لأنني سأضطر لأن أمدح نفسي وأختي مرة أخرى لكنها الحقيقة والله عالم بكل شيء وأقول لك أيضا أننا مهذبتان وملتزمتان أخلاقيا ولم نعرف اللهو في حياتنا .. أضف إلى ذلك أن "لساننا حلو " كما يقولون والجميع في شارعنا "يحلفون"  بحياتنا وأدبنا وخفة دمنا ولباقتنا .. فنحن "ظريفتان " فعلا والله العظيم وجاراتنا يحببن جلستنا وكلامنا , وربما أكون قد أطلت في وصف "مميزاتنا" لأقول لك أنه كان من الطبيعي مع هذه المؤهلات أن يكثر خطابنا والراغبون في الارتباط بنا .. وقد كثروا فعلا منذ أواخر أيام الدراسة الجامعية لكن شاء حظنا أن يكون كل من يقترب منا ويرغب في الارتباط بنا دائما من علية القوم أي ابن موظف كبير في درجة نائب وزير مثلا . أو ابن مدير كبير أو ابن رجل أعمال ينجذب كل منهم إلى واحدة منا ..ويقترب ويبدي اهتمامه ورغبته في الارتباط بها , ويطلب معلومات عنها , فتفتح له صدرها وتعطيه ما يريد من معلومات فما إن يعرف مهنة أبي حتى يطير ويختفي كأنه " فص ملح وذاب " .
وتكررت هذه الحكاية معنا في الجامعة .. وفي الإعمال التي التحقنا بها عدة مرات حتى أن أختي تركت شركة خاصة كان عملها مريحا ومرتبها جيدا خصيصا لهذا السبب .
مع أن مهنة أبي شريفة وهي التي صنعت منا هاتين الفتاتين المتعلمتين الأنيقتين اللبقتين اللتين يتهافت عليهما الخطاب , ولقد تكررت هذه الحكاية معنا عدة مرات حتى بدأنا نتعقد .. وبدأنا نحكي لأمنا عنها , لكن ذلك لم يؤثر أبدا على حبنا لأبينا واحترامنا له .. فهو مثال الأب الحنون الذي لا يبخل علينا بشيء .. وهو يدخر لكل منا منذ طفولتها مبلغا لكي يكون لنا ما نستند عليه عند الزواج .
ومع ذلك فقد أحس بمشكلتنا .. وقال لنا أنه ورث مهنته أبا عن جد وأن كثيرين يتصارعون للحصول على ترخيص كالترخيص الذي ورثه عن أبيه ..وأنه لولا أن العمر تقدم به لفكر في أن يستبدله بعمل آخر كالتجارة .. لكنه يخشى إن فعل الآن أن يخسر كل شيء لأنها ليست مهنته ولا يجيدها .. ولأنه لم يعرف في حياته عملا آخر إلا هذا العمل .
فأسرعنا أنا وأختي نقطع عليه كلامه ونقول له أننا فخورتان به وأنه يكفي أنه ربانا وعلمنا تعليما عاليا .. وانتهى الموضوع عند هذا الحد .. لكن أزمتنا لم تنته .. فالمشكلة مازالت مستمرة .. ومازال من يقترب منا يسرع بالفرار بعد أن يعلم, أما من يتقدمون إلينا ويرضون بمهنة أبي فيكونون دائما متزوجين لكنهم محتاجون إلى الحنان .. كما يقولون !
فماذا نفعل يا سيدي لكي ننال حقنا في الزواج الطبيعي والسعادة هل نرغم أبانا وهو في هذا السن أن يغير مهنته .. وهو ما لا نرضاه له .. أم نتبرأ منه كما يفعل الأشرار وهو ما لا نرضاه لنفسينا ولديننا .. ولماذا يحمل الناس هذه النظرة الضيقة لبعض المهن الشريفة الضرورية وهل يمكن أن تقول كلمة لهؤلاء الذين يعرضوننا كل مرة لهذا الإحراج السخيف وأنت طبعا قد فهمت أن مهنة أبي الشريفة هي بمجال الدفن !

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
عند الانجليز مثل غريب يقول " من أحبني أحب كلبي " .. أي من أحبني بصدق فلسوف يحب كلبي بالتبعية لأني أحبه ولأنه سيحب كل من أحبه حتى كلبي الصغير .. وفي الشعر العربي القديم بيت ظريف يقول فيه الشاعر :
"وأحبها وتحبني                     وتحب ناقتها بعيري !"
بمعنى أن الحب قد امتد من الحبيبين إلى مطيتهما فأحبت ناقتها بعيره .. وأحب بعيره ناقتها وأريد بذلك أن أقول أن من يرغب بصدق في الارتباط بإنسانة رأى فيها حلم حياته وشريكة عمره لا يتوقف عند هذه الاعتبارات .. بل يقبل بها وبكل ظروفها ويحب أعزاءها ويعتز بهم كما تحبهم هي وتعتز بهم .. وكل الشبان الذين اقتربوا منكما ثم ولوا الأدبار بمجرد معرفتهم بمهنة أبيكما الشريفة والضرورية للحياة وألا انتشر الطاعون والأوبئة في المجتمع, لم تتعد رغبة أحدهم فيكما حدود الإعجاب المبدئي بجمالكما .. لهذا لم يصمد الإعجاب للمفارقة التي يلمسونها بين مظهركما المغري وبين حياتكما بحقائقها الاجتماعية التي لا تعيبكما لكنها تصدمهم .. ومشكلتكما الحقيقية ليست في ذلك .. "لكنها إن صح تقديري " في تطلعكما الداخلي إلى الخروج من إطار حياتكما الاجتماعية إلى حياة أخرى تريان أن جمالكما وأناقتكما يرشحانكما لها . لهذا كثر الاقتراب .. وكثر الفرار .. لأن من اقتربوا كانوا دائما من رموز هذه الحياة التي تريانها جديرة بكما .. ولو كان الأمر غير ذلك لانجذب أيضا إلى جمالكما آخرون من دائرة الأسرة والحي الذي تقيمان فيه ولا بد أن هناك في دائرة الأسرة المحيطة بكما شبانا جامعيين من غير الباحثين عن الحنان يعجبون بجمالكما وظرفكما ومؤهلاتكما التي تنال تقدير سيدات الحي كما تقولين ولو حدث ذلك لما واجهتما المحنة كل مرة .. لأن من يقترب منكما سيكون بكل شيء يعلم قبل الاقتراب .
على أية حال لا تقلقي فأنتما مازلتما في أول الشباب .. وستأتي فرصكما تجري .. والجمال في النهاية تاج يجذب إليه الكثيرون وقد أضفتما إليه مؤهلات أهم منه كالالتزام واللباقة والذكاء الاجتماعي وحلاوة اللسان .. لهذا سيأتي فارس الأحلام الذي يرغب فيكما بصدق ويرتبط بكما عاطفيا .. والارتباط العاطفي الصادق هو الذي يصمد لأية مفارقة ويتحداها .. وحبذا لو كان من محيطكما العائلي أو الاجتماعي لأن التكافؤ الأسري من أهم مقومات الزواج الناجح .. ولأن من لا يقبل بكما وبكل ظروفكما عن اقتناع صادق وحقيقي وليس عن ضعف عابر أمام الجمال لن تسعدا معه ولن تجدا عنده ما ترغبان فيه من أمان واستقرار .. وكل آت قريب بإذن الله .


انشر
-

هناك 4 تعليقات:

;