الأحد، 25 ديسمبر 2011

19)رســـــــــاله (الانتقام) مفارقات القدر الغريبة!! وقوانين السماء العادلة

سيدي أكتب إليك من داخل القطار لذا اغفر لي إرتعاشة الكلمات وسوء الخط وأستميح القراء عذرا في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها , ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي تنميق أو تجميل .وأناشدك إلا تقسو علينا , فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا, وأرواحنا – كما أجسادنا- كلها ندبات وجروح.

نحن ست بنات, خمس شقيقات, والصغيرة من أم أخرى..عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسبب قسوة آب تجرد من كل مشاعر الإنسانية, ولم نهنأ, أو نغمض عيوننا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ استمر 5 سنوات واعتقدنا أن الحياة السعيدة بدأت وأن السماء تعوضنا عما عانيناه ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام فها هو الفزع يعود من جديد والنوم يستعد لهجرة عيوننا التي أبكاها البكاء.
دعني أسترجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقن لحظة فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن استيقظت عيوننا منذ الميلاد علي أم كسيرة باكية دائماً وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار تنهال سياطه علي أجسادنا إذا بدر منا أي صوت .. هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟ .. نعم نحن كنا نعي أن البكاء حتى في الأشهر الأولي يعني ألماً غير مفهوم من يد شبح لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن نناديه.
أتذكر الآن عندما كان عمري خمس سنوات أمي حامل في شهورها الأولي كانت تستحم سقطت في الحمام فأخذت تستغيث بصوت نخفض حتى لا توقظ أبي النائم ولكنه للأسف مع بكائها هل يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟ لا أنسي ملامح وجهه في ذلك اليوم ملامح شيطانية مفزعه لم يثنه دمها المراق علي الأرض لم يفزعه انهال عليها ضرباً ورفساً في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام ونحن نبكي ونصرخ رعباً حتى تجمع الجيران وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلي المستشفي بينما توجه هو إلي غرفة نومه .. يومها أصبت أنا الأخرى بانهيار عصبي وظللت مريضه فترة طويلة.
سيدي .. هل لك أن تتخيل ما هو جزاء أي واحدة فينا لو لم تتفوق في المدرسة؟ .. يحلق شعرها ويغرس وجهها في "صفيحة الزبالة" ثم ينهال عليها ضرباً بالسلك العاري حتى تفقد وعيها من شدة الألم.
لم يكن أبي ينفق علينا ولا تظن أنه فقيراً بل كان كما يقولون "يلعب بالفلوس لعب" معه أموال كثيرة من تجارة الغلال ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة وننفق علي أنفسنا .. كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر .. أما أمي فقد اشتري لها أخوالي ماكينة خياطة حتى تنفق علينا.
ذات يوم جاءت أختي متأخرة قليلاً من المدرسة فانهال عليها ضرباً حتى هربت ن البيت غابت أسبوعاً ثم عادت وبعد "العلقة" المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها ثم قرر تزويجها من "شيال" في مقلاة لب وأمام قراره لم تجد أختي إلا الانتحار حلاً أحرقت نفسها تركتنا للعذاب ورحلت هل تعرف ماذا فعل هذا الرجل الذي يطلق عليه "أباُ" قال بأعلى صوته :"الحمد لله ارتحت من واحدة عقبال الباقي".
اقترح أخوالي علي والدتي أن تترك له البنات الكبار وتذهب معهم بالبنات الصغار ولكن أمي رفضت خوفاً علي الكبار والصغار من بطشه وجبروته فقد كانت تري في وجودها بعض الحماية لنا.
سيدي .. لا يمكن لأحد تخيل معنى الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما .. لن يستوعب أحد معنى استحالة أن تتحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافياً لأن والدك نائم .. لن يفهم أحد معني أن ترتدي طوال العام - صيفاً وشتاء- فستاناً ممزقاً وتأكل رغيفاً واحداً وتنام الليل خائفاً وتصحو النهار مذعوراً.
لك أن تتخيل كل شئ كل أنواع العذاب والقهر والألم فليست أزمتنا الآن فيما فات ولكن دعني أكمل لك:
منذ 14 عاماً أصيبت أمي بنزيف حاد مما أغضب أبي فانهال عليها ضرباً واستنجدنا بأخوالي نقلناها إلي المستشفي ولكن قضاء الله كان أسرع .. ماتت أمي .. كلمة الحنان في الحياة ورفض القاسي تسلم جثتها حتى دفنها أخوالي وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها 20 عاماً قال إنها زوجته .. وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغرى بعد زواج شقيقاتي جمعنا أبي وقال لنا: لو شكت لي منكم كلمة فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب لتخدم زوجته الجديدة أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي حتى أنظف البيت وأطهو لهما الطعام.
المهم التفاصيل متعددة ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي وآخر واحدة حملت رغماً عنه فطلقها وعاش بدون زواج حتى حدث ما حدث!
سيدي .. منذ 8 سنوات ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد .. انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره .. توجه أعمامي عدة مرات إلي السفارة يسألون عنه بلا جدوى .. لا يعرف له أحد طريقاً هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟ .. أصابتنا كريزه ضحك صرخنا زمن العذاب انتهي "روحه بلا رجعة" .. 5 سنوات عشناها علي أعصابنا حتى أقمنا دعوى أمام المحكمة لاعتباره مفقوداً وعملنا إعلام وراثة بعدها فقط بدأنا نشعر أنن آدميون .. انطلقنا في الشقة مزقنا صوره القينا بملابسه في صناديق القمامة حتى الملايه التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها "شبشبه" الأكواب التي كان يشرب فيها الكرسي الذي جلس عليه كله حطمناه تخلصنا منه .. أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب لم يعش أمامنا ذل المرض.
حصلنا علي أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها .. واحدة ستشتري ذهباً والأخرى تشتري محلات ملابس والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا لا يعكر صفو حياتنا سوى منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا.
سيدي .. كان كل شئ يسير طبيعياً حتى جاء هذا اليوم .. في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلي عقد قرانها في أحد المساجد صليت ركعتين تحية للمسجد وفيما أنا خارجة في طريقي إلي القاعة لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي هل يمكن تصور من كان يجلس علي الأرض؟ .. إنه أبي رجل عجوز ممزق الملابس لا يمكن هل عاد أبي أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي اختبأت خشيت أن يراني ثم توجهت إليه وأنا أرتجف نظرت إليه فلم يعرني اهتماماً .. استيقظت علي نداء صديقاتي فحضرت عقد القران ثم توجهت إلي إمام المسجد وسألته : هل تعرف هذا الرجل فقال لي أن أحد أقاربه أتي به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي ويخدم في المسجد ويغسل السلالم في العمارات المجاورة.
هل يمكن تخيل ذلك .. والدي الذي كان يصحو العصر من نومه ويرتدي أفخر الثياب يمسح السلالم ويجلس علي الأرض طلبت من الأمام أن يدعوه وسألته إيه حكايتك فقال لي إنه كان في مستشفي في السعودية والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم وهو لا يتذكر أي شئ عن شخصيته وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه إلي مصر .. وهو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيلياً .. بكيت وبكيت لم أعرف لماذا أبكي هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم..
يمد يده ليأخذ مني بعض النقود أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئاً يعيدني صوته وهو يدعو لي "ربنا يطعمك ما يحرمك" سألته: "مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في نفسي: كنت شريراً قاسياً بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا "الحلاليف" نظر إلي طويلاً وقال: أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني علي شئ عملته وغضبان علي لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف .. أتذكره وهو يرفض الذهاب إلي المستشفي لدفنها.
عدت إلي البيت دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث لم يصدقن ما سمعنه فقررنا استدعاء محامينا واتفقنا علي الذهاب إليه لرؤيته .. اندفعنا نحوه كادت واحدة تناديه "بابا" منعناها ..
جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا – الذي هو جالس أمامنا – تعمدنا ذكر بعض كلماته مثل "الحلاليف" حتى نتأكد من ذاكرته فوجئنا به يبكي ويقول : "كيف لأب يفعل ذلك في بناته أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم" .. قالت له أختي : "مش جايز ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك" نظر إليها باندهاش قائلاً : "ليه يا بنتي أنت قاسية أوي كده"..
المهم سيدي .. عدنا إلي البيت أكثر حيرة جاء خالي إلينا وأخبرناه فقال إنه يجب أن يعود إلي بيته فهذا حقه .. وقال المحامي : إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن أعمامكم سيرفضون وسيقدر عليكن ولو عالجناه قد يعود إلي ما كان عليه وينتقم منكن قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة .. اتفقنا أن نذهب له كل شهر نمنحه صدقة تكفيه وطعاماً وملابس .. فكرنا في إدخاله مستشفي والإنفاق عليه ولكن خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا.
سيدي .. عقولنا ترفض عودته ولكن ضميري يؤلمني صوت في داخلي يقول لي : إرحمي أباك في شيخوخته يكفي ما يراه من عذاب يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء ألا يكفي انتقام الله.
منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضاً في حجرة متواضعة بجوار المسجد وقال لنا إمام المسجد : إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء علي الرئة .. أهل الخير أحضروا له الدواء .. وجدت بجواره كيساً فتحته وجدت به خبزاً عفناً .. أتألم له ومنه .. أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم أجد خبزاً طازجاً ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة .. وها هو اليوم يأكل خبزاً عفناً .. يا الله!
سيدي .. نعيش في أزمة بين ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة .. نعجز عن الاتفاق علي قرار .. فقررنا الاحتكام إليك لعلك تساعدنا علي اتخاذ القرار السليم بدون أن تظلمنا!

لكاتب هذه الرساله اقول
سيدتي .. ألتمس الأعذار لمن يري الظلم ويعاني منه وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالي – لحكمة يعرفها – عن أنظار العباد .. ولكن عندما يأتي عقاب الله وانتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلي ظالم غافلاً عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل.
سيدتي .. من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك لا بد أن يغضب ويتألم ويطلب القصاص من هذا الأب ومن يقرأ الجزء الأخير لا بد أن يتمهل ويعيد النظر إلي الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي.
أعتقد أنك لست في حاجه الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعاً من سلوكيات هذا الأب والذي لولا نهايته لكان الكلام فيها لا ينتهي فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد وليس فقط بعيداً عن الأبوة.
ستقولين أنه الماضي الذي يعيش فيكن حتى الآن ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل فالعيش مع الماضي لا يزيدكن إلا ألماً.
فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية والديه تطل أمام عيني الآية الكريمة : "وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً" .. الخالق الجابر المنتقم عندما يصل الأمر إلي الدعوة للشرك به من أحد الأبوين يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفاً هذا في حقه فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمراً إلهياً يجب الامتثال إليه فإذا سلمنا بذلك واستندنا إلي أمر الإحسان - المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة – إلي الوالدين وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله فإن قراركن سيكون واحداً ومحدداً.
سيدتي .. إن لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد واستمعي إلي قوله سبحانه وتعالي : "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم .." ألا تحبون أن يغفر لكم الله كم هو مقابل زهيد مهما تكن قسوة الأيام فالتسامح يا عزيزتي جزء من العدالة.
لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلي سيرته الأولي سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه.
إن ما أنتن فيه من حقه إنه ماله حتى ولو كان ظالماً لكن وعودته وهو فاقد الذاكرة – علي قدر ما أعرفه – لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلاً لذلك ولكن نصيحتي لك ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي وأن تذهبن إليه فوراً وتعدنه إلي بيته وتحرصن علي علاجه وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقى في الطريق إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة والأولي أن يبكي الابن من أن يبكي الأب كما قال المفكر "بترارك".
وخذي وعد الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم "عفا الله عما سلف , ومن عاد فينتقم الله منه , والله عزيز ذو انتقام " .. وإلي لقاء بإذن الله
.
انشر
-

هناك 4 تعليقات:

  1. لقد كان والدك متتوها طوال عمره و مضطرب نفسيا و هذا ما اسفرت عنه تطورات مرضه فلتحسنوا اليه و لا اقول سامحوه بل ادوا واجبكم الذي امركم الله به مرضاه لله لا اليه

    ردحذف
  2. قرأتها وقت نشرها ولم انسها ابدا ولها جزء اخر

    ردحذف
  3. سبحان الله يمهل ولايهمل
    ياريت نعرف تكملة القصة وياريت البنات يكونوا احتووا والدهم فى أيامه الأخيرة وعملوا بنصيحة الراحل العظيم عبد الوهاب مطاوع

    ردحذف
  4. القصة مختصرة جدا وفى ااحداث اخرى مهمة مثل ابنة كانت بتبل العيش وتأكلولهوا وبنتي تانية اخدته قعد معها بس ماكنتش تقدر كل شوية تاخد اجازة والبنت اللى كانت بتهطلوا الاكل البايظ ربنا ابتلاها بمرض البرج وولادها ابتعدوا عنها وزوجها يعنى القصة مختصرة جدا

    ردحذف

;