الاثنين، 26 ديسمبر 2016

رسالة (جبال من جليد)..قلبي يكن لزوجي كراهية تفوق الوصف

أنا سيدة من أسرة طيبة بدأت حياتي العلمية عقب تخرجي في الجامعة في وظيفة مرموقة وكنت منذ بداية رحلتي في العمل ناجحة ومتفوقة وأنيقة واجتماعية فأعجب بي شاب رآني في العمل وتقدم لأسرتي يخطبني ورأت أسرتي -المحافظة -أنه شاب ممتاز من أسرة محترمة وجامعي فرحبت به ... ووافقت أنا عليه وتمت الخطبة وبعد شهور تم الزواج وانتقلت إلى بيتي الجديد وكل مسامي مفتوحة لزوجي وحياتي الجديدة .. فلم تمض شهور حتى بدأت أكتشف فيه عيوبا عديدة 

أهمها انطوائيته وكراهيته للناس جميعا وكراهيته لأن يزور أحد أو أن يزورنا فضلا عن أنه بلا أصدقاء ومكروه في عمله مما أدى إلى تأخره فيه بسبب عصبيته الزائدة وسوء معاملته لزملائه ورؤسائه . ولكن الأمل في المستقبل الأفضل لم ينقطع عندي فأقبلت على حياتي معه وحاولت التكيف مع طباعه لكنه لم يكتمل العام الأول على زواجي إلا ووجدت نفسي في عزلة تامة عن الناس وأعاني من عنفه وعصبيته ومن اعتدائه علي بالضرب المبرح الذي يترك آثارا في جسدي تستمر بالأسابيع إلى جانب إهاناته لي بأفظع الألفاظ وفي هذه الظروف العصيبة جاء وليدي الأول .. فكأنه قد جاء حكما علي بالاستمرار وتحمل الإهانة والضرب وضاعف من ضغط أسرتي علي لكي أتحمل وأواصل المشوار .. لأنه من العيب أن تطلق الفتاة في أسرتنا .. ولأن من واجبها أن تتحمل كل شيء من أجل أطفالها وهكذا عشت أجمل سنوات العمر من حياتي .. في حياة تعسة كئيبة .. تشهد كل أسابيع انفجارات مدوية أتعرض خلالها للضرب والإهانة فأغادر بيتي إلى بيت أسرتي .. لفترة تطول أو تقصر ويحاول فيها أبي أن يشجعني على الاحتمال ثم أعود إلى بيت زوجي راضية أو راغمة  ومضت الحياة بعسرها حتى أنجبت 3 أولاد وتضاعفت المشكلة حين كبر الأولاد وأصبحت خلافاتنا تجري أمامهم .. فيسمعون سباب أبيهم لأمهم بأفظع الكلمات

لكن الله عوضني بهم فالتصقوا بي وأصبحوا أصدقائي ولا يخفون عني شيئا من أفكارهم وهواجسهم ..وشب الأبناء فوصل اثنان منهم إلى الجامعة واستعد الثالث لدخولها وتقدمت أنا في عملي رغم تعاستي العائلية فوصلت إلى منصب المدير العام ..أصبحت أرأس عددا كبيرا من الموظفين والموظفات ويشهد لي الجميع بالعدل والحزم والكفاءة فبدأ صبري ينفد ولولا إيماني العميق بالله وحجي لبيته وحبي لأولادي لاستسلمت لنداء الانتحار .

وبعد أن بلغت السادسة والأربعين من العمر وأصبح أبنائي شبابا واعين لم أعد أحتمل الاهانة في بيتي وأنا المدير العام في عملي فأثرت العزلة عن زوجي نهائيا ولم يعد هناك حديث بيننا إلا حديث الحياة اليومية من مأكل ومشرب وانحصرت علاقاتي في أهلي وأقاربي فقط , أزورهم ولا يزورونني بسبب وجود زوجي الدائم في البيت .

ومشكلتي الآن يا سيدي هي أن قلبي يكن لزوجي كراهية تفوق الوصف .. ومنذ أول سنة من زواجي منه بحيث أصبحت الآن لا أطيق سماع صوته ولا رائحة أنفاسه ولا طريقة تناوله للطعام ولا طريقة ملبسه وأصبح كل شيء فيه ينفرني منه ويزيدني كراهة له , ومن ناحية أخرى فإن خوفي من الله عظيم , وقد علمت من قراءاتي في كتب الدين أن من أحاديث الرسول الشريفة ما معناه أنه لا تدخل الجنة زوجة إلا وزوجها راض عنها وأن الزوجة التي تبيت وزوجها غاضب عليها تلعنها الملائكة حتى تصبح فأثار ذلك حزني وخشيتي من أن أتعذب في الدنيا وفي الآخرة وأريد أن أسألك وأسأل رجال الدين معك ما هو حكم الزوجة كارهة زوجها والتي تعيش معه تحت سقف واحد وتتحمل معاشرته عن كراهية من أجل أولادها وبيتها والمجتمع ..وهل الزوج الذي قال الرسول ما معناه أنه لو كان ليأمر أحدا بأن يسجد لغير الله لأمر الزوجة بأن تسجد لزوجها هل هذا الزوج هو أي زوج مهما كان قاسيا وعنيفا ويؤذي مشاعرها وجسمها بالضرب والاهانة , أم أنه الزوج الذي يجعل من الزواج مودة ورحمة وسكنا .

وهل إذا صبرت هذه الزوجة على معاشرة زوجها مع كراهيتها له ..هل يكون لها أجرها على صبرها واحتمالها من أجل أبنائها أم أن كراهيتها له تضيع أجرها فتخسر دينها ودنياها ..
أرجو أن تخرجني من حيرتي لأني مهمومة جدا بهذه المسألة .. والتي اكتشفت أيضا أنها مشكلة عدد كبير جدا من الزوجات من صديقاتي ومن زميلاتي في العمل .

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

يا سيدتي الفاضلة ..كرهت زوجك منذ العام الأول لزواجك منه وربما من الأيام الأولى فلماذا واصلت معه
الرحلة حتى جاء الأبناء فحكمت عليه وعلى نفسك بهذا الجحيم المستعر منذ 25 عاما ؟

إن الزواج عند العقلاء إرادة واختيار ولا مبرر عندهم للإقدام عليه ولاستمراره سوى الحب والرغبة المشروعة في السعادة والاستقرار ..أما بعد أن يجيء الأبناء فإن كثيرين منهم يضعون مصلحتهم فوق كل اعتبار ويتنازلون عن كثير من أحلامهم وحقوقهم من أجلهم ..

والأبناء في رأيي هم أشرف دوافع استمرار الزواج في غيبة الحب والمودة والرحمة وللزوجة والزوج أجر عظيم على تضحيتهما بسعادتهما الشخصية لهذا الدافع النبيل .

لكنه يضيع من هذا الأجر في تقديري أن ينطوي أيهما على هذا القدر الهائل من الكره الذي تكنينه لزوجك لا لأنه لا يستحقه كزوج وإنما لأنه لا يستحقه بكل تأكيد كأب لأولادك مهما جرى بينكما من احن ومشاجرات قد لا تخلو منها حياة .

إن كل مشاجرة يا سيدتي تحتاج إلى شخصين لكي تقع لا إلى شخص واحد فقط , وليس من المنطقي ان يكون طرف واحد فقط هو المخطئ في كل الخلافات التي جرت على مدى 25 عاما بلا استثناء وبالتالي فلابد أن لك نصيبا من المسئولية عن هذه الخلافات والمشاجرات وأغلب ظني أن استشعار زوجك للإحساس المؤلم بأنك لا تحبينه منذ الشهور الأولى لزواجكما قد أخرج من شخصيته أسوأ ما فيها .. فتعاملت مع الجانب السيئ منها في أغلب الأحيان ..ولو غرس الله بعض الحب في قلبك تجاهه منذ البداية لما تفاقمت الأمور إلى هذا الحد المزري ..ولما وصلت بعد هذه السنوات الطوال إلى أن أصبحت لا ترين فيه سوى العيوب والنقائص من رائحة أنفاسه إلى طريقة ملبسه , فليس هناك إنسان خال تماما من العيوب وليس هناك أيضا إنسان عاطل تماما عن أي ميزة كأنما خلقه الله ليكون عبرة للآخرين !

فلكل إنسان مهما كان بشعا مزاياه وعيوبه .. قد ترجح هذه تلك وقد تتعادلان .. لكن لكل إنسان في النهاية جانب خير يمكن أن نتعامل معه من خلاله والوجوه مرايا القلوب يا سيدتي فنظرة كارهة من الزوجة لزوجها قد تفجر حمم براكينه في حين أن نظرة حانية بإخلاص له قد تذيب جليده فيتحول إلى ينبوع من الماء العذب ولست أطالبك بالوقوع في غرامه ..لأنه لا يأمر القلوب سوى خالقها جل شأنه ..لكن أطالبك فقط بأن تخففي من هذه المشاعر البغيضة التي تحملينها له وبأن تحاولي نسيان جرائمه في حقك ولو بمضي المدة وسقوط العقوبة ما دمت قد اخترت مواصلة الحياة معه إلى النهاية ..ولا شك ان نسيانك لما أصبح الآن في عداد الذكريات سوف يفتح بعض مسامك له فتتعاملين معه على الأقل بحياد في المشاعر يخفف عنك جحيم معاشرة من لا تطيقين رؤياه .

ونحن نتعامل في الحياة أو العمل أحيانا مع أشخاص قد لا نحبهم لكن طول المعاشرة يخلق بيننا نوعا من الألفة التي تسهل تقبلنا لهم فلماذا لا تعاملينه على هذا المستوى وهو في النهاية شريك حياتك وأب أبنائك ؟

ولماذا لا تذكرين له أنه رغم كل ما جرى لم يهدم أسرتك ولم يشرد أبنائك وارتضى لنفسه أن يعيش تحت سقف واحد مع من لا ترى فيه إلا كل شيء بغيض وهو لا شك عالم بذلك ومتألم له !

أما عن تساؤلاتك الدينية ..فلست من أهل الفتيا لكي أتصدى للإفتاء فيها وسأحيلها إلى من يقدرون على تحمل هذه الأمانة ..لكني سأقول لك فقط أن الله لا يحاسبنا عما تنطوي عليه صدورنا تجاه الآخرين ما لم تخرج من الصدور لتتحول إلى أفعال وتصرفات وقد يجزينا الله عنها حتى وهي داخل الصدور إن كانت مشاعر طيبة وإنسانية وإن الزوجة التي تلعنها الملائكة حتى تصبح هي الزوجة التي يدعوها زوجها إليه فتأبى وأنت اعتزلت زوجك باعترافك ..فضعي نفسك حيث اخترت .

وسأقول لك أيضا أن من واجب الزوج أن يحسن معاشرة زوجته وأن يرعى ربه فيها ولو لم يحبها ومن واجب الزوجة أن تحسن معاشرة زوجها وأن ترعى ربها فيه ولو لم تحبه ما دامت قد اختارت مشاركته الحياة إلى الأبد وقد أحل لها الطلاق إذا أرادت .


فراجعي نفسك يا سيدتي ..فربما تكتشفين أنك لست الضحية الوحيدة في القصة وأن المشكلة التي تقولين أنها مشكلة عدد كبير جدا من الزوجات قد يكون أحد أسبابها هو إحساس المرأة في مجتمعاتنا "بالمظلومية التاريخية " في قصص زواج لم يستشر فيها القلب قبل الإقدام عليها إلى جانب العقل فقادت غالبا إلى هذه المعاناة وهذه الآلام ...وهو إحساس سائد للأسف عند البعض ..لكنه في رأيي ليس مقصورا على المرأة وحدها ! 
انشر
-

هناك تعليق واحد:

;