الخميس، 5 ديسمبر 2013

رسالة (اقوى من الكلام ).الحب الصادق يذيب الكثير من الفوارق.

أنا سيدة فى التاسعة والعشرين من عمرى .. عندما كنت طالبة فى المرحلة الثانوية اتجهت مشاعرى الى ابن عمى الذى كان يكبرنى بخمس سنوات.. وكانت مشاعر صامتة لا تعبر عن نفسها الا فى الاهتمام به.. والقلق عليه وبالرغم من انى لم افاتحه ابدا فلقد كان ما بيننا اقوى من الكلام وقد بادلنى هذه المشاعر الصامتة.. وتوثقت الروابط بيننا بغير مصارحة وتقدمت فى دراستى والتحقت بالجامعة.. والشىء الذى احمله بداخلى تجاهه ينمو ويتضخم.. 
حتى وصلت الى السنة النهائية.. ووجد ابن عمى انه قد اصبح من المناسب الآن ان يتقدم لخطبتى.. فقرر ان يفاتح ابى،
فاذا بأبى يقع فى حرج شديد.. لأنه كان يحب عمى الراحل ويحب ابنه هذا ويعجب بأخلاقه.. لكنه يحلم لى بزوج له مركز مرموق يباهى به الناس ويستطيع ان يفتح بيتا لائقا.. وابن عمى هذا لم يستطع ان يكمل تعليمه بعد وفاة ابيه واكتفى بشهادة متوسطة لكى يعمل بها ويساعد أسرته، وبعد تردد رفض ابى طلبه وصدم ابن عمى صدمة كبيرة.. لكنه لم يفقد احترامه لأبى .. وقال له انه يقدر مشاعره كأب.. ويرى من حقه ان يطلب لابنته زوجا أفضل منه .. لكنه يحبنى منذ 6 سنوات وانا احبه .. وهو يضع مصيرنا بين يديه.

وتأثر ابى لكنه لم يتزحزح عن موقفه .. أما أنا فقد ظلمت الدنيا فى وجهى.. وفقدت اقبالى على الحياة، خاصة ان ابن عمى قد وفى بوعده لأبى بألا يرانى.. والا يزورنا لكيلا تتضاعف الامنا بلا فائدة وابتعد عن اسرتنا فعلا لمدة سنة .. واستراح ابى متصورا انى نسيته لكنى لم انسه.. اذ كيف يتلاشى حب ست سنوات طويلة هى زهرة الشباب فى سنة واحدة.

ثم مضت الشهور وتقدم لى شاب تتوافر فيه كل المواصفات المطلوبة .. فهو مهندس ناجح له عمل خاص وشقة جميلة وسيارة .. ومقبول شكلا.. ومن اسرة طيبة فرفضته بالطبع.. لأن مشاعرى مع غيره وغضب أبى وغضبت أمى.. وحدثنى طويلا، لكنى لم اغير موقفى، ثم فجأة تلقيت من ابن عمى خطابا يطلب منى فيه قبول هذا الخطيب لكيلا اضيع شبابى انتظار لحلم مستحيل.. ولا اعرف هل كتب الى هذا الخطاب من نفسه ام ان امى طلبت منه ذلك.. وعموما فقد حزنت كثيرا بعد قراءتى لهذه الرسالة .. وعشت اياما تعيسة وحين فاتنحنى ابى مرة ثانية فى الموضوع لم اتكلم وحين فاتحنى ابى مرة ثانية فى الموضوع لم اتكلم فاعتبر صمتى موافقة واربتط مع الخطيب على موعد لعقد القران وتم القران.. وسعد ابى بهذا الخطيب المشرف.. وبمركزه وعائلته وخلال شهور تم الزفاف وانتقلت الى شقة الزوجية، وكانت شقة انيقة واسعة فى عمارة يجاورنا فيها بعض المشاهير!

واقبلت على حياتى الجديدة برغبة خالصة فى نجاحها.. ولأنى اعرف ربى ومتدينة فلقد اعتبرت ان مجرد مرور طيف ابن عمى بخاطرى وانا على ذمة رجل اخر "خيانة" لا ارضاها لنفسى..
وقلت لنفسى .. ان كثيرات هن من تزوجن بغير حب ثم نجح زواجهن واحببن ازواجهن وانجبن البنين والبنات ثم سخرن فيما بعد من حديث بناتهن عن الحب.. والحب الأول.. وحب العمر.. الخ..
وقلت لنفسى.. ماذنب زوجى فى ان ابى قد حال بينى وبين شريك طفولتى وصباى وشبابى بسبب اعتبارات اجتماعية رأخا مهمة من وجه نظره.. وهكذا اقبلت على حياتى معه باخلاص.. وساعدنى على ذلك انه شاب على خلق وطيب.

لكن .. وأه من لكن التى لا تخلو منها حياة كما قرأت لك اكثر من مرة.. فلقد وجدت نفسى بعد اسابيع فقط.. مصابة بحالة اكتئاب لا اطيق اى شىء حتى تنظيف الشقة الى طهى الطعام، ورغم محاولتى لامساك اعصابى فقد اصبحت اثور لأتفه الأسباب وبدأت المشاكل الشجار.. وبدأت اتحين اى فرصة لأغضب واذهب الى بيت ابى بعيدا عن البيت والزوج، ثم يأتى زوجى بعد ايام ويصالحنى وتحت ضغط الأسرة اعود معه محاولة ان ابدأ من جديد، ثم تفاقمت بيننا المشاكل فطلقنى بعد خمسة شهور فقط من زواجنا وعدت الى بيت ابى سعيدة بحريتى، لكن بعد شعرت بتعب مفاجىء واكتشفت انى حامل .. وعندما علم زوجى بذلك جاء الى وردنى لكى ينشأ الطفل القادم بين ابويه، ومرت بيننا فترة هادئة وانا احاول بكل طاقتى نحمله وهو يحاول ان يتفاهم معى معتقدا ان قصر فترة الخطوبة هى السبب فى عدم تفاهمنا بالقدر الكافى,, الى ان جاء يوم عرف فيه زوجى بقصة ابن عمى.. ولا اعرف حتى الآن كيف عرف بها.. لكن حياتى بعدها تحولت الى جحيم .. فمنعنى من الخروج ومن زيارة بيت ابى الا فى صحبته.. ومن زيارة اسرة عمى لأى سبب من الاسباب مع انى لم ازورها تجنبا لرؤيته ولكيلا احس بالذنب حتى لو بادلته نظرة واحدة، لكن زوجى لم يقتنع .. وهو معذور فى ذلك فالشك جحيم .. وقد دفعت انا ثمنه.. وساءت صحتى وساءت حالتى النفسية واصبحت اصاب باغماءات متكررة كل عدة ايام وفى احدى الاغماءات نقلونى الى المستشفى .. وافقت بعد فترة فاذا بى قد فقدت جنينىومرت ايام وصحتى تتدهور وفترات الاغماء تتوالى ثم فتحت عينى ذات مرة فوجدت امامى ابن عمى يقف بالقرب منى والدموع تنساب من عينيه .. فلم اكلمه .. وانما اطلقت لدموعى العنان.. ومضت لحظات وهو صامت يبكى.. وانا صامتة ابكى لم يستطع ان يلمس يدى لأنى زوجة رجل آخر، وفجأة دخل زوجى ورأى هذا المشهد الصامت.. فنظر الى بدهشة وألم .. وتوقعت صاعقة تنهى ما بقى لى من حياة.. لكنى فوجئت به هادئا هدوءا غريبا وبعد لحظات نظر ابن عمى وقال له: اذن فانت غريمى.. ثم استدار الى وقال لقد اردت ان اسعدك.. لكن سعادتك ليست معى كما عرفت الآن..يا فلانة انى اعطيك حريتك .. انت طالق بالثلاثة لكيلا تكون لنا رجعة أخرى.. واتمنى لك حياة سعيدة .. ثم خرج من الحجرة بخطوات ثقيلة حزينة. ومرت اساييع بعد هذا اليوم الرهيب استعدت خلالها صحتى بسرعة .. وخرجت من المستشفى الى بيت ابى.. وتقدم ابن عمى الى ابى يطلب يدى مرة اخرى ولم يستطع ابى الرفض هذه المرة بعد ان عرف ان النقود او المركز لا يصنعان السعادة.

وانتقلت الى بيت فتى احلامى بعد احتفال بسيط.. وبدأت ايامى الحقيقية.. لقد كنت اعيش فى شقة من 4 غرف فى عمارة راقية .. فأصبحت اعيش فى شقة من غرفتين فى حى شعبى وبيت قديم سلالمه متسخة باستمرار .. لكننى سعيدة واشعر ان هذه الشقة الصغيرة هى قصر فاخر كنت اشعر بتعب الدنيا ينزل على جسمى اذا اردت تنفيض الشقة واستعين بالبواب واختنق وانا اشاركه فى تنفيضها فأصبحت اكنس شقتى الصغيرة وامسح بلاطها كل يوم بنشاط عجيب.. وأصبحت الشقة تلمع كالمراية ولاتستطيع ان تجد ذرة تراب!

كنت اكره الطهى.. فأصبحت اتفنن واصنع اكلات لذيذة نلتهمها بشراهة وتلذذ حتى زاد وزنى 8 كيلو جرامات خلال سنة واحدة وحذرنى حبيبى من السمنة لكيلا تضر بصحتى وأنعم الله علينا بطفل وطفلة فى عامين متتالين فأصبحت مسئولة عن اسرة صغيرة ارعاها واغسل ملابس الأولاد واحضر طعامهم.. وأمسح احذيتهم ومعها حذاء زوجى كل يوم.. ولا اشعر بالتعب ولا بالملل بل ووفرت نقود المكوى .. فأصبحت اكوى ملابس زوجى وملابس الأولاد حتى بدلة زوجى اكويها مكوة لا يتسطيع المكوجى ان يصنع مثلها.

وكأى اسرة سغيرة تواجهنا مشاكل.. لكن مشاكلنا مع الدنيا .. وليست مع بعضنا البعض نشكو من الغلاء .. ومن قلة الدخل .. ومن ارتفاع اسعار ملابس الأطفال ولا نخرج الا الى بيت اسرتى او اسرته، لأن ميزانيتنا لا تسمح لنا بالفسحة.. لكننا سعداء .. نتغاضب احيانا كما يفعل كل الأزواج.. لكن غضبنا اقرب الى المداعبة والاغاظة منه الى الزعل .. ولا يتجاوز لحظته.. ثم لابد ان يصالح احدنا الآخر ولا نبيت الا اباء متراضين "نتبحبح" اول الشهر فى المصاريف.. ونقتر على انفسنا آخر الشهر لكى نصل الى بداية الشهر التالى بأمان لكننا سعداء..

وزوجى يكافح لاسعادى .. ويحاول ان يوفر لى كل شىء لكيلا اشعر انى نقصت شيئا عن حياتى السابقة فأضحك منه.. لأن مثل هذا الكلام يمكن ان يقال لغيرى وليس لى انا التى عرفت ان السعادة ليست بالنقود.. فان كانت حياتى قد نقصت شيئا.. فلقد نقصت الاكتئاب والمشاحنات والآلام .. والغربة .. والجفاف، كما ان ماحذرنى منه اهلى لم يحدث لأنى لم أشعر لحظة واحدة ولن اشعر ابدا ان زوجى اقل منى لأن مؤهلى جامعى ..ومؤهله متوسط، فلق منح الحب زوجى شهادة الدكتوراه .. وأصبحت اشعر انه اعلى منى علما وثقافة.

لقد احتفلنا فى الاسبوع الماضى بمرور خمس سنوات على زواجنا السعيد الذى ادعو الله ان يدوم حتى آخر العمر وفكرت ان اكتب اليك فهل تعرف ماذا اريد منك؟؟ اننى لا اريد منك عملا.. ولا واسطة.. ولا جهاز تلفزيون ولا أى شىء من ذلك.. اننى اريد منك ان تكتب للآباء بألا يقعوا فى الخطأ الذى وقع فيه ابى حين حرمنى من زوجى لأن شهادنه متوسطة .. او لأنه لم يكن جاهزا .. قل لهم ياسيدى ان ابى نفسه قد ندم على انه ضيع من عمرى عامين تقريبا فى تجربة الزواج- الفاشل معتقدا انه يحقق لى السعادة ولا ارى لأى فتاة اخرى ان تتعرض لنفس التجربة فالحب الصادق يستطيع ان يذيب الكثير من الفوارق ويستطيع ان يصمد للعواصف والصدمات .. فانصحهم ياسيدى قبل ان تتكرر قصتى مع فتاة اخرى ولك الشكر من زوجين سعيدين..

ولكاتبة هذه الرسالة اقول:
 
نعم ياسيدتى .. سأكتب مطالبا الآباء بألا يقفوا فى طريق سعادة ابنائهم .. لكنى سأطالب الابناء ايضا بأن يستعينوا بحكمة الأباء فى اختيار طريق الساعدة بلا عناد من جانب الطرفين لأن هدف كل مهما واحد وهو سعادة الابناء كما يتصور الآباء لهم.. او كما يتصورها الابناء لأنفسهم.

وفى مثل حالتك هذه فلقد كانت هناك اعتبارات كثيرة كان على ابيك ان يراعيها فى قراره برفض ابن عمك منها عمق ارتباطكما العاطفى وصعوبة تجاهل هذه العلاقة النى نمت بينكما على مر سنوات طويلة، وصلة الرحم بينه وبين ابن اخيه الذى لا جريرة له فى رحيل ابيه عنه واضطراره لقطع تعلميه فضلا عم ممزاته الاخلاقية الأخرى، ففى مثل هذه الظروف، كان من الحكمة فعلا التساهل قليلا فى اعتبارات الشهادة الجامعية .. والامكانيات المادية اذ متى كانت الهادة والامكانيات وحدهما طريقا للسعادة او للزواج السعيد؟ لكننا للأسف لا نتعلم الحكمة احيانا الا بعد ان نؤدى للحياة ضريبة الألم وقد جنيتم خلال ذلك على انسان برىء سعى الى سعادته بالطريقة المألوفة.. فتجرع تعاسة ان يعاشر من لا تحبه.. ودفع ثمن تجاهل ابيك لارتباطك العاطفى المتين بفتى احلامك.. انها محنة قاسية .. ومن نكد الدنيا ان البعض قد يطأون احيانا بعض الضحايا فى سبيل الوصول الى حقهم المشروع فى السعادة.. لكنى لا الومك فى ذلك بل ولا الوم اباك وحده.. وانما الوم اوضاعا كثيرة متشابكة فى حياتنا تجعل مقاييس الزواج فى كثير من الاحيان ظالمة لأحلام الشباب ومثيرة لاحباطهم ولقد ذكرتنى رسالتك هذه برسالة مريرة كتبها الى شاب تعليقا على مشكلة العريس الجاهز الذى يسطو غالبا على فتاة احلام شاب مازال يمشى على الطريق الطويل لكى يبنى عش احلامه مع فتاته.

فقال لى فى رسالته.. اننا جيل محكوم عليه بالحرمان ممن يحب.. لأنه عاجز غالبا عن توفير امكانيات الزواج وخاصة الشقة قبل عشر او خمسة عشرة سنة من تخرجه لذلك يسطو الجيل السابق له على فتيات احلامه.. اما نحن فليس امامنا سوى ان نسير فى الطريق الطويل حتى نصبح قادرين على الزواج.. ثم نسطو نحن بدورنا على فتيات احلام الجيل الذى يلينا!!

وهكذا تدور عجلة التعاسة .. لتطحن آخرين وآخرين، ولأن القضية كبيرة فلن اطيل فيها لكنى سأقول لك فقط ان السعادة هدف يستحق المعاناة من اجل الوصول اليه وان الامكانيات المادية ليست وحدها فعلا طريق السعادة وانه رغم ان التكافؤ العلمى مطلوب للنجاح فى الزواج فان مقاييسه لايمكن تطبيقها بحدة فى كل الحالات .. لأن هناك اعتبارات اخرى لابد من مراعاتها منها ان الفروق ضيقة جدا بين الشهادة الجامعية والشهادة المتوسطة.. وان الفكرة القديمة عن زواج الجامعية من غير الجامعى ليست صحيحة.. لأن الكل غالبا فى الضحالة سواء لذلك فان عامل الارتباط العاطفى هنا اكثر اهمية .. وكلماتك الفريدة خير دليل على ذلك فالشقة الضيقة فى الحى الشعبى.. قد اصبحت قصرا فاخرا.. لأنها مفروشة بالحب!!

وأعمال البيت التى كانت مرهقة.. قد اصبحت انغاما موسيقية تعزفينها على وتر السعادة..ومشاكل الحياة وارتفاع الأسعار قد اصبحت موضوعات مسلية للدردشة والفضفضة وليست سببا للنكد والشجار والطهى الذى كنت تكرهينه اصبح هواية جميلة تخشين من نتائجها على وزنك!!

ولا غرابة فى ذلك ياسيدتى ..لأن رائحة الحب فواحة لا تحجبها ابدا مصاعب الحياة.. وقد فاحت عبيرا اخاذا من سطور رسالتك..تماما كما ان رائحة التعاسة ثقيلة ولا تحجبها معطرات الجو مهما حاولت اخفاءها!!
فهنيئا لكما سعادتكما .. ولتعوض الحياة زوجك الأول عن تجربته المريرة بمن تحمل له كل او بعض هذا الحب الآسر
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;