أكتب لك هذه الرسالة رداً على رسالة حب الأهل للشاب الذي فقد أبويه الواحد بعد الآخر، ويعيش وحيداً في مسكن الأسرة ويشكو وحدته وافتقاده حب الأهل بعد خلو الدنيا عليه ويطلب منك أن تجمع بينه وبين أسرة لم يرزقها الله بأبناء لكي يتبادل معها الزيارات ويستشعر دفء الأهل الذي حرم منه في علاقته بهم، خاصة أنه لا يشكو أية مشكلة مادية ولديه ما يكفيه من الدخل، لكنه يحتاج إلى ما هو أهم من ذلك وهو الأهل ، وأسمح لي قبل أن أعرض مساهمتي البسيطة في خدمة هذا الشاب أن أقدم إليك نفسي، فأنا رجل نشأت في أسرة مفككة لانفصال الأبوين غير الرسمي
، ثم سرعان ما فقدت حنان الأم التي كنت أعيش في كنفها بعيداً عن الأب ولقيت أمي ربها بعد عناء طويل من المرض الذي أصابها بسبب جحود أبي لنا
وتقتيره علينا على عكس حياته المترفة مع زوجته الثانية وابنه المدلل منها، وهكذا وجدت نفسي وأنا في سن صغيرة جداً بلا عائل و لا راع ولا سند.. ولم يكن أمامي إلا البحث عن أبي واستعطافه لكي يضمني إلى بيته وأسرته وأعيش مع زوجته وأبنائه.. وضمني أبي بالفعل إلى أسرته كارهاً أو راضياً، ووجدتني أعيش في بيت أبي مواطناً من الدرجة العاشرة.. بل إني لا أخجل من أن أقول لك إنني وجدتني في منزلة أقل من منزلة الخادم.. وشعرت بالقهر والهوان.. وعشت في عزلة تامة وسط من يفترض أنهم أهلي.. وتحملت أقداري راضياً بقضاء الله وقدره لكي أستطيع مواصلة تعليمي- ثم سألت نفسي ذات يوم هل كنت أتوقع من زوجة الأب أن تكون أما حقيقية لي أو أن تكون لي منزلة الابن المدلل لديها؟ إذن فلابد ان ارضى بأقداري التي فرضت عليّ ولأحاول أن أصنع لي عالماً خاصاً بي يهون عليّ مرارة حياتي.. وهكذا تحملت ظروفي وتعايشت مع هؤلاء الغرباء مقابل لقمة العيش، واتخذت لي أصدقاء من أبناء الجيران وزملاء المدرسة.. ووضعت همي في دراستي فتحايلت على الظروف لإيجاد الوقت الكافي لمذاكرة دروسي وأداء واجبات الخادم المنزلية دون تقصير، وتحاشيت بقدر الإمكان أن أعطي زوجة أبي أي سبب للشكوي مني، أو الزعم بأنني لا أقوم بما هو مطلوب مني من أعمال الخدمة.. ووفقني اللّه إلى النجاح في الدراسة بلا عثرات ولا دروس خصوصية.. ومن إجازة صيف السنة الأولى الاعدادية بدأت أعمل في الإجازة الصيفية وأدخر ما أتقاضاه من أجر أو بقشيش لأنفق منه على دراستي أو على مصروفي الشخصي في العام الدراسي التالي، وكلما نجحت في امتحان آخر السنة.. شعرت إنني اقتربت خطوة من الخلاص، وكلما تفوقت في الدراسة أو على الأقل واصلت التقدم فيها بلا مشاكل.. ازداد سوء معاملة زوجة أبي لي وحقدها عليّ خاصة كلما رسب أحد أبنائها أو تعثر، إلى أن فقدت السيطرة على نفسها ذات مرة قبيل امتحان الاعدادية وثارت ثورة هائلة عليّ ومزقت كل كتبي المدرسية وألقت بقصاصاتها في المجاري بدعوى تقصيري في واجباتي كخادم للأسرة! وتحملت ذلك أيضاً واستعرت كتب زملائي بالمدرسة واحداً بعد الآخر لكي أستعد لدخول الامتحان ونجحت والتحقت بالمدرسة الثانوية، وواصلت الكفاح والتحمل حتى بلغت الثانوية العامة وبدأت امتحانها فلم تحتمل زوجة أبي أكثر من ذلك وتصيدت لي أي خطأ عابر وأصرت على طردي من البيت لكي أعجز عن مواصلة الامتحان والنجاح، وبكيت بالدموع الغزيرة لأبي ولها لكي ترحمني وتتركني أؤدي بقية الامتحان، وطلب مني أبي أن أسترضيها وأن أقبل قدمها فلم أتردد في الانحناء على الأرض وتقبيل قدمها حتى رضيت في النهاية وتركتني.. وجاءت نتيجة الامتحان ونجحت وحاربت للالتحاق بالجامعة و لم يستطع أبي الوقوف في طريقي.. خاصة أنني أعمل كل صيف ولا أكلفه إلا اليسير، والتحقت بإحدى الكليات وواصلت العمل والدراسة حتى تخرجت في الكلية.. وساعدني بعض الأشخاص الطيبين من عالمي الخاص على العمل فعملت وبذلت كل طاقتي وجهدي وإخلاصي في العمل وأنا أشعر بأنني قد تحررت أخيراً من ذل العبودية والخدمة في بيت أبي.. ومضت الأيام بخيرها وشرها.. وتقدمت في عملي حتى حققت فيه ما لم أكن أطمح إليه ذات يوم، ولم أقطع صلتي بأسرة أبي ولا بأخوتي منه وإن كنت قد تعجبت كثيراً لفشلهم جميعاً في استكمال دراستهم العالية رغم كل ما توافر لهم من رعاية وتدليل، ورحلت زوجة أبي عن الحياة وابتعد أبي عن أبنائها منها وشغل بدنياه الخاصة.. وتفرقوا هم في البلاد يسعون وراء الرزق في مدن بعيدة.. ولم أشعر تجاه أحدهم بالشماتة أو بالحقد لأني رأيت أنهم ضحايا مثلي مع اختلاف الأسباب.. فقد كانوا هم ضحايا تدليل الأبوين وجهلهما وبعدهما عن روح الدين وكنت أنا ضحية القسوة وعدم العدل معي.. لهذا لم أقطع رحمي بأحد منهم، ولم أتردد في مساعدة من يحتاج للمساعدة منهم وها قد دارت عجلة الأيام وشغلوا جميعاً بحياتهم في مدنهم البعيدة ووجدتني وحيداً من جديد اللهم إلا خلال الأيام القليلة التي يزورني فيها بعضهم.. وحين قرأت رسالة حب الأهل شعرت بأنني أريد أن أكون أخاً أكبر لهذا الشاب الوحيد.. وأرجو أن تعينه مساهمتي البسيطة هذه في توفير الاستقرار النفسي والعائلي له.. كما أرجو أن أكون له نعم الأخ والمرشد والصديق بإذن الله.، ثم سرعان ما فقدت حنان الأم التي كنت أعيش في كنفها بعيداً عن الأب ولقيت أمي ربها بعد عناء طويل من المرض الذي أصابها بسبب جحود أبي لنا
ولكاتب هذه الرساله اقول
أصدق يا سيدي أنك لا تضمر لأخوتك غير الأشقاء الإحساس بالشماتة فيهم أو الحقد عليهم.. حتى ولو استسلمت أحياناً لتأملات الإنسان الطبيعية في المقارنة بين نجاحك في الحياة وتعثرهم هم بالرغم مما حظوا به من تدليل وحياة ناعمة في رعاية أبويهم.. إذ يبدو أنك قد اعتدت التفكير العقلاني منذ الصغر، أي منذ راغمت نفسك على قبول واقعك المؤلم في بيت أبيك والرضا به وعزوته وعلى أنه من غير المنتظر أن تكون زوجة أبيك أما حقيقية لك وأن تحظى لديها أنت بمنزلة الابن المعزز المكرم.. ومع أن هناك من زوجات الأباء من يرعين حدود ربهن في معاملة أبناء الزوج خاصة إذا كانوا يتامى ضعافاً مثلك، فلقد كان هذا التفكير العقلاني خير عون لك على احتمال أوضاعك القاسية ومحاولة النجاة منها بالاجتهاد في الدراسة.. واتخاذ الأصدقاء المخلصين خارج دائرة الأهل.
واستهداء بهذا التفكير المنطقي فلقد حللت كذلك الموقف بعد أن اجتزت صعوبات حياتك ورأيت أن أخوتك غير الأشقاء حتى ولو لم يكونوا قد ترفقوا بك في صغرهم، فما هم في النهاية إلا ضحايا لسوء رعاية الأبوين لهم.. ونتاج لغرسهما الذي افتقد روح الدين والعدل والتربية السليمة.. وهكذا خلت نفسك من الموجدة عليهم.. لأن العادل من لا يحاكم النتائج كما جنته عليها الأسباب ، ولأنك أيضاً قد تخطيت بصبرك وجلدك وكفاحك كل الصعوبات وحققت نجاحك في الحياة، فعوضك النجاح عن اجترار الأحقاد واختزان المرارات.
والحق أنك قد طبقت بغير وعي منك وأنت حدَث صغير أحدث ما ينصح به علماء النفس والتربية الآن من يواجهون ظروفاً حياتية ظالمة تهدد تبعثرهم في الطريق وحرمانهم من فرصهم العادلة في الحياة الكريمة وهو الانتقام بالنجاح ممن أساءوا إليهم وليس بالحقد عليهم.. وإهدار الطاقة النفسية في محاربتهم أو محاولة الثأر منهم.. ويقولون إن خير وسيلة للانتقام ممن أساء إلينا هو أن نتحدى ظروفنا، ونستمد من عنت الآخرين معنا قوة دافعة لتحقيق نجاحنا الشخصي في الحياة والتحرر من الواقع المؤلم الذي فرضوه علينا، حتى ليجىء يوم يندم فيه من لم يترفقوا بنا في صغرنا على أن أساءوا تقدير قدراتنا وملكاتنا وتمنوا لو كانوا قد أعانوا على أمرنا في حينه لكي يحظوا بعرفاننا لهم بعد بلوغنا بر الأمان، ويشاركوننا بعض ثمار هذا النجاح إن لم يكن مادياً فعلى الأقل معنوياً، وذلك على خلاف من يستسلم لظروفه.. ويكتفي بالرثاء لنفسه واستشعار ظلم الآخرين له.. فتتعثر خطواته ولا يصبح صالحاً بعد ذلك إلا للحقد والفشل ومعايشة المشاعر السلبية الكريهة.
ومن عجب أن من ينتقمون لأنفسهم بالنجاح ممن حاولوا زرع الفشل في طريقهم يجدون أنفسهم غالباً بعد أن يصلوا إلى واحة الأمان.. أكثر استعداداً مما كانوا يظنون هم أنفسهم للتسامح مع الحياة بصفة عامة ومع من آذوهم وظلموهم وهم ضعفاء في حاجة إلى العون والمساعدة بصفة خاصة.. وتفسيري لذلك هو أنهم ربما يكونون قد اعتادوا خلال رحلة الكفاح ألا يتوقفوا أمام الصغائر.. وألا يستسلموا للمشاعر السلبية العاجزة.. ويفضلون استخدام طاقتهم النفسية فيما يحقق لهم الخير والسلام، وليس في تبديدها في الأحقاد والمرارات والانحصار في الماضي، كما قد يكون من أسباب ذلك أيضاً أنهم ربما يشعرون في أعماقهم تجاه من ظلموهم وقسوا عليهم بالرثاء لهم والإشفاق عليهم من أنفسهم وليس بالحقد عليهم، كما أنهم قد لا يشعرون بقيمة نجاحهم كاملة إلا في وجود هؤلاء الذين توقعوا لهم الفشل أو حاولوا زرع الألغام في طريقهم، فكأنما يذكرونهم بعلامات الطريق الطويل الذي قطعوه في أصعب الظروف والانجاز الكبير الذي حققوه فيرضون عن أنفسهم وكفاحهم.. ونجاحهم فهنيئاً لك نفسك الراضية عن أقدارها في الحياة في ماضيها وحاضرها، وشكراً لك على رغبتك في الإسهام في حل مشكلة ا لشاب الوحيد كاتب رسالة حب الأهل.. وأرجو أن يتصل بك في أقرب فرصة!
واستهداء بهذا التفكير المنطقي فلقد حللت كذلك الموقف بعد أن اجتزت صعوبات حياتك ورأيت أن أخوتك غير الأشقاء حتى ولو لم يكونوا قد ترفقوا بك في صغرهم، فما هم في النهاية إلا ضحايا لسوء رعاية الأبوين لهم.. ونتاج لغرسهما الذي افتقد روح الدين والعدل والتربية السليمة.. وهكذا خلت نفسك من الموجدة عليهم.. لأن العادل من لا يحاكم النتائج كما جنته عليها الأسباب ، ولأنك أيضاً قد تخطيت بصبرك وجلدك وكفاحك كل الصعوبات وحققت نجاحك في الحياة، فعوضك النجاح عن اجترار الأحقاد واختزان المرارات.
والحق أنك قد طبقت بغير وعي منك وأنت حدَث صغير أحدث ما ينصح به علماء النفس والتربية الآن من يواجهون ظروفاً حياتية ظالمة تهدد تبعثرهم في الطريق وحرمانهم من فرصهم العادلة في الحياة الكريمة وهو الانتقام بالنجاح ممن أساءوا إليهم وليس بالحقد عليهم.. وإهدار الطاقة النفسية في محاربتهم أو محاولة الثأر منهم.. ويقولون إن خير وسيلة للانتقام ممن أساء إلينا هو أن نتحدى ظروفنا، ونستمد من عنت الآخرين معنا قوة دافعة لتحقيق نجاحنا الشخصي في الحياة والتحرر من الواقع المؤلم الذي فرضوه علينا، حتى ليجىء يوم يندم فيه من لم يترفقوا بنا في صغرنا على أن أساءوا تقدير قدراتنا وملكاتنا وتمنوا لو كانوا قد أعانوا على أمرنا في حينه لكي يحظوا بعرفاننا لهم بعد بلوغنا بر الأمان، ويشاركوننا بعض ثمار هذا النجاح إن لم يكن مادياً فعلى الأقل معنوياً، وذلك على خلاف من يستسلم لظروفه.. ويكتفي بالرثاء لنفسه واستشعار ظلم الآخرين له.. فتتعثر خطواته ولا يصبح صالحاً بعد ذلك إلا للحقد والفشل ومعايشة المشاعر السلبية الكريهة.
ومن عجب أن من ينتقمون لأنفسهم بالنجاح ممن حاولوا زرع الفشل في طريقهم يجدون أنفسهم غالباً بعد أن يصلوا إلى واحة الأمان.. أكثر استعداداً مما كانوا يظنون هم أنفسهم للتسامح مع الحياة بصفة عامة ومع من آذوهم وظلموهم وهم ضعفاء في حاجة إلى العون والمساعدة بصفة خاصة.. وتفسيري لذلك هو أنهم ربما يكونون قد اعتادوا خلال رحلة الكفاح ألا يتوقفوا أمام الصغائر.. وألا يستسلموا للمشاعر السلبية العاجزة.. ويفضلون استخدام طاقتهم النفسية فيما يحقق لهم الخير والسلام، وليس في تبديدها في الأحقاد والمرارات والانحصار في الماضي، كما قد يكون من أسباب ذلك أيضاً أنهم ربما يشعرون في أعماقهم تجاه من ظلموهم وقسوا عليهم بالرثاء لهم والإشفاق عليهم من أنفسهم وليس بالحقد عليهم، كما أنهم قد لا يشعرون بقيمة نجاحهم كاملة إلا في وجود هؤلاء الذين توقعوا لهم الفشل أو حاولوا زرع الألغام في طريقهم، فكأنما يذكرونهم بعلامات الطريق الطويل الذي قطعوه في أصعب الظروف والانجاز الكبير الذي حققوه فيرضون عن أنفسهم وكفاحهم.. ونجاحهم فهنيئاً لك نفسك الراضية عن أقدارها في الحياة في ماضيها وحاضرها، وشكراً لك على رغبتك في الإسهام في حل مشكلة ا لشاب الوحيد كاتب رسالة حب الأهل.. وأرجو أن يتصل بك في أقرب فرصة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق