الخميس، 21 يناير 2016

رسالة (زورق الحب والسعاده) الحب من النظره الاولى

كان صديقى يعيش وحيدا فى شقه من غرفتين بعماره قديمه بأحد احياء القاهره وكان فى ذلك الوقت شابا مكافحا يجاهد لاثبات ذاته وشق طريقه فى العمل ويخطط لنفسه ألا يتزوج قبل عدة سنوات يكون خلالها قد وضع قدماه على اول طريق النجاح وتوافرت لديه الامكانيات الماديه لبدء حياه عائليه لائقه , ثم غادر مسكنه ذات صباح متوجها الى عمله فرأى فتاه جميله تنتظر المصعد 000 وبحركه عفويه نظر اليها فأحست بطريقه ما بوجوده فى الجوار والتفتت إليه لا اراديا فالتقت العيون وسرى التيار الغامض فى الاثير فتجرأ صديقى وحيا الفتاه مبتسما فى ارتباك ... وبدلا من ان تنهره الفتاه او تتجاهله فوجئت بنفسها تومئ برأسها اليه ايماءه خفيفه ردا للتحيه فى خجل
ولم يستطع الشاب احتمال الموقف اكثر من ذلك فاتجه الى السلم وقبل ان يضع قدمه على اول درجاته التفت الى ناحية المصعد فضبط الفتاه ترقبه فى اهتمام فابتسم مره اخرى .. وابتسمت .. وهرول على السلم مشغول الخاطر بهذه الفتاه .. من هى .. ولماذا ارتبك حين رآها ؟ وكيف تجرأ على تحيتها وهو الشاب الذى يتردد الف مره قبل ان يحيى انسانا لا يعرفه , ولماذا نظرت اليه وهو يفرهاربا الى السلم ... ولماذا ابتسمت ؟ ... وهل يراها مره اخرى ؟ وشغلته تساؤلاته طوال الطريق الى العمل
اما هى فلقد دارت برأسها مثل هذه التساؤلات وفى نفس اللحظه وتعجبت لنفسها ماذ اعجبها فى هذا الشاب ؟ ولماذا خرجت على طبيعتها الخجول معه فأومأت برأسها رادا لتحيته .. ثم تابعته بأنظارها وهو يتجه الى السلم حتى ضبطها وهى تنظر اليه باهتمام

وجاء المصعد فركبته الى غايتها وهى تسال نفسها من هذا الشاب ولماذا شعرت بهذا الضعف المفاجئ تجاهه وهى التى لا تأبه بنظرات الاعجاب فى كل مكان وماذا دهاها حتى فعلت ذلك وهى الفتاه المخطوبه لشاب اخر تفخر به اسرتها وتعتبره فوزا عظيما

أيكون هذا هو الحب من النظره الاولى الذى يقولون عنه ؟؟
لابد انه الجنون ايضا قد يصلح فى بعض الحالات النادره لان يكون بداية قصه سعيده
وكان هذا الصديق وهذه الفتاه هما احدى هذه الحالات النادره التى صنعها حب النظره الاولى الذى يراه العقلاء ضربا من الجنون فلقد التقيا مره اخرى امام المصعد فى اليوم التالى فى نفس الموعد ... وفى هذه المره لم يتردد صديقى فى ان يحيها تحية الصباح ولا هى ترددت فى ان ترد على تحيته بابتسامه صريحه ولم يهرول مبتعدا ومتحرجا هذه المره وانما وجد الكلمات تتقافز على لسانه فسالها هل انتى من سكان العماره ؟ فاجابته بانها ضيفه مؤقته على عمتها التى تقيم معه بنفس الدور وفى اجازه قصيره من حياتها ومن اسرتها لانها على خلاف بسيط معها .
وكان الخيط جاهزا للالتقاط فالتقطه وسال عن اسباب الخلاف وعرف انها خطبت منذ شهور لشاب ممتاز من اسره كبيره يعمل بوزارة الخارجيه وجاهز ماديا للزواج فى اية لحظه وقد خطبت اليه بالطريقه العائليه فرحبت بالخطوبه فى البدايه املا فى ان يولد الحب بينهما خلال فترة التعارف .. لكن اللحظه السحريه التى تولد فيها شرارة الحب فجاه بين شخصين لم تأت ... وتأكدت على العكس من ذلك من نفورها النهائى منه وعدم توافقها معه وادبت رغبتها فى فسخ الخطبه فاتهمتها اسرتها بالجنون .. وتعجبت امها من امرها كيف ترفض شابا مرموقا كهذا الشاب الذى تتمناه اى فتاه مثلها وماذ لايعجبها فيه ؟؟ وبعد محاولات طويله اتفقت الاسره على ان تعطى الفتاه لنفسها فرصه اخيره للتفكير الهادئ بعيدا عن الجو المتوتر فى بيت اسرتها ورحبت عمتها باستضافتها خلال فترة التفكير والحسم فجاءت الى هذه العماره والتقى الغريبان على غير انتاظر
اما المصعد فلقد توقف امامهما عدة مرات صاعدا وهابطا ولم يفكر احدهما فى فتح بابه
اما الغريبان فلقد تبادلا الحديث لفترة طويله واتفقا على تكراراللقاء لمزيد من التعارف والتفاهم واما صديقى فلقد حكى لها فى اللقاءات التاليه عن نفسه كل شئ وانذرها بانه ليس البديل المناسب لخطيبها القادر على توفير الحياه اللئقه لها التى كانت تنتظرها مع خطيبها المرموق لانه شاب مكافح فى بداية طريقه العملى فلم تزدها صراحته معها إلا تمسكا به ... ثم خاضت الفتاه معركتها الخاصه مع اسرتها باصرار حتى اقنعت ابويها بفسخ الخطوبه ورد الهدايا والاعتذار للخطيب السابق .. وبدأت تمهد الطريق لفتاها لدى اسرتها حتى رضيت باستقباله
وشاهديتها اسرتها يوم الزياره الاولى وهى تتفجر نشاطا وحيويه وبهجه .. ولا حظت بعجب الفرق الهائل بين حالها قبيل زيارة فتاها لاسرتها لكى يطلب يدها وبين حالها حين كان يجئ خطيبها السابق فتشكو قبل مجيئه الصداع وتحاول الاعتذار عن مغادرة غرفة نومها لاستقباله فى الصالون بحجة المرض
وجاء الفتى فى زيارته الاولى لاسرتها فكانت هى اول من فتح الباب له واستقبلته بحفاوه ومرح وقدمته لابويها فى افتخار , وتربصت لكل بادرة تحفظ او فتور من جانب امها او ابيها فى معاملته وتدخلت فى الحديث بلباقه وحسن حين سأله ابوها عن امكانيته الماديه واجابت فى نيابة عنه بانه شاب موعود بالنجاح وسوف يبنيان معا عشهما الجميل ... قطعه قطعه
وسلمت لها اسرتها بما أرادت فتزوج الغريبان بعد صعوبات ومشاكل هائله ... واقاما فى الشقه الصغيره بأحد احياء القاهره غير الراقيه وتحول العش الصغير الى واحه هانئه ينفس الحب فيها عطره الفواح .. وأضافت الزوجه الجميله على الاثاث القليل لمساتها الساحره فعوضت بساطة المسكن بعراقة الذوق الجميل

ومضت الحياه بهما فى طريقها المرسوم فأنجبا طفلين ... وتحمل المحبان بشجاعه صعوبات البدايه لسبع سنوات أو أكثر , حتى بدأ الفتى يجنى أولى ثمرات الكفاح فانتقلا من الشقه الصغيره ذات الغرفيتن الى شقه من ثلاث غرف فى حى افضل وارقى , وواصل الفتى صعوده بخطوات بطيئه فاشترى اول سياره فى حياته لتنقلات الاسره ثم استقام ظهره ورسخت اقدامه فى مجاله المهنى ... فانتقل بأسرته بعد خمس سنوات اخرى الى شقه من رابع غرف فى الحى الذى تقيم فيه اسرة زوجته الحبيبه واشترى كل ما كان ينقصه من اثاث لائق ... وغمر زوجته بالهدايا والملابس الفاخره والحق طفليه بمدرسه راقيه , وكلما حقق خطوه جديده على طريق نجاحه ... رجع الى زوجته طائرا على جناح الحب ليزف البشرى اليها ويتسمتع بنظرات الرضا والفخر فى عينيها , ثم يترقب سماع الكلمات الساحره التى يطرب لها فى كل موقف مماثل حين تقول له فى اعتزاز جميل :
- أرأيت ؟ ألم أقل لك من البدايه انك سوف تصبح أفضل الجميع فلم تصدقنى وقتها ؟
فلا يملك الا ان يمسك يدها وصدره يجيش بطوفان من مشاعر الحب والعرفان والامتنان ... ومازال زورق الحب يشق عباب النهر بصديقى وزوجته واولادهما فى رحلته السعيده حتى الان
نعم قد يتعكر ماء النهر فى بعض الاحيان كما يحدث فى كل حياه ... لكنه لا يلبث ان يعود لصفائه خلالق وقت قصير .. ويشف من جديد عما فى قاعه من جواهر ولالئ
وقد تهب عاصفه عابره تتلاعب بالزورق الصغير وتميل به ذات اليمين وذات الشمال كما قد يحدث فى كل رحله مماثله ... لكن قائدى هذا الزورق يتشبث كل منهما عند العاصفه بموقعه ويحتضن اطفاله لكيلا يفزعهما صوت الريح فلا تلبث العاصفه ان تخمد وتنقشع الغيوم العابره ويهب النسيم العليل

ومن موقفى على الشاطئ أرقب "بالمنظار البحرى " زروق صديقى المحب هذا وزوجته المفتونه بزوجها وهو يشق ماء النهر فى ايام الصفاء الطويله وايام " النوات " القليله فلا ازداد لهما الاحبا واحتراما ... فحتى نواتهما الطويله النادره والقصيرهع كنت أرى فيها " خلاف الحب " ... ولا أرى فيها ابدا خلاف البغضاء او التشاحن .. او الانانيه
وهذا هو الفارق الجوهرى بين زواج الحب الحقيقى وبين كل زواج اخر لم يجمع الحب قبله او بعده بين قلبى طرفيه
واذا كان صوت العقل يقول لنا دائما : إن حب النظره الاولى هو قرين الجنون , لان الحب ليس وليد نظره واحده وإنما وليد تفاعل بطئ الماشعر والاحاسيس فلقد افلح " الجنون " فى حياة صديقى هذا وزوجته وحقق نتائج باهره , ربما لا يحققها فى الحالات المماثله .. وكلمات اقتربت من حياتهما ولمست مساتندة هذه الزوجه الجميله لزوجها فى المواقف المختلفه " وايمانها " المطلق به وبقدراته وتميزه ز تذكرت كلمات الشاعره الامريكيه إلزى هى التى تقول

أؤمن بك
قدمت حياتى بين يديك
وعاهدتك على السعاده
وحين تهوى النجوم من السماء
وتغطى البحار سطح الارض
فلسوف تحمى انت عشنا الجميل
وتسند كل ما يهوى ويسقط
لان ثقتى فيك تمدك بالقوه
وحبى لك هو انتصارك العظيم !

فاذا سألتنى بعد ذلك ... ألم تغير الايام وطول العشره وطبيعة الانسان الملول من انغام سيمفونية الحب القديمه هذه .. او هل يمكن حقا ان يكونا ومازالال حتى الان يتبادلان الحب الرومانسى الجميل الذى جمع بين قلبيهما منذ اكثر من عشرين سنه وبنفس الاحاسيس الراقيه ؟
إذا سألتنى ذلك أجبتك بلا تردد بأن كل شئ يتغير إلا قانون التغير كما قال ذلك الفيلسوف الاغريقى القديم ز لكن هناك فارقا جوهريا بين تغير المشاعر .. وبين تغير أساليب التعبير عنها تبعا لاختلاف مراحل العمر .ولقد شكا لى صديقى نفسه من بعض اعراض هذا التغير الذى اصاب زوجته فى السنوات الاخيره فقال لى انه كان فى مرحلة الكفاح لبناء عش الزوجيه بعد عقد القران يقترض احيانا من بعض زملائه عشرين جنيها لكى يدعو زوجته الى العشاء فى كازينو صغير على ا لنيل ويأتى الجارسون فيسال زوجته برقه : ماذا تأكلين يا عزيزتى ؟
فتجيبه بحزم : عصير ليمون !
وتفشل محاولاته معها لكى تطلب العشاء .. وتنسى للحظات اجراءات التقشف التى تفرضها على نفسها وعليه لتدبير نفقات الزواج فلا يلبث ان يسلم بالفشل بعد حين ويطلب كوبين من عصير الليمون !
اما الان فانه حين يدعوهاالى باخرة نيليه ملتهبة الاسعار وقت الغروب ليرقبا معا القرص الاحمر الدامى وهو يغيب فى صفحة النهر كما كانا يفعلان فى فترة الخطبه ثم يسالها امام الجارسون :
- ماذا تشربين يا عزيزتى ؟
فإنها تجيبه بنفس الحسم القدين :
- اسكالوب بانيه !
- هاها .. هاها ..هاها
ويضحك صديقى من قلبه .. وتزمجر زوجته وهى تغالب الابتسام .
وازداد انا حبا للاثنين واحتراما !

انشر
-

هناك 4 تعليقات:

  1. ما اجمل الحب عاش اجمل المعانى من رزقه الله الحب الصادق والعيش الى جوار من احب

    ردحذف
  2. ما اجمل الحب عاش اجمل المعانى من رزقه الله الحب الصادق والعيش الى جوار من احب

    ردحذف
    الردود
    1. إنه الحب الذى يفعل المعجزات ويجعلنا دوما في حيرة من أمرنا

      حذف
    2. إنه الحب الذى يفعل المعجزات ويجعلنا دوما في حيرة من أمرنا

      حذف

;