الاثنين، 26 ديسمبر 2011

9)رساله (الحلم الوردي)..جرحى الحياة ..


رجو أن تقرأ رسالتي هذه بصدر رحب وان تهتم بها عسى أن أجد لديك الخير وراحة البال، فأنا سيدة جميلة في العشرينيات من العمر تقدم لي أكثر من شاب.. في سن مبكرة ثم شاء لي قدري ان يتقدم لي شاب رآه الجميع ملائما فتزوجته، وبعد فترة عمل أمضاها زوجي في الخارج رجع الى بلده.. وبدأت أتطلع للانجاب بعد استقرار أحوالنا، وبعد عدة أسابيع جاءتني البشرى السعيدة بحملي ففرحت بها كثيراً وبدأت شهور الحمل فإذا بي أشعر معها بتعب شديد، وأعراض غريبة،
ولجأت الى الطبيب فلم يجد في شيئا غير عادي، لكن التعب اشتد بعد ذلك وتورم جسمي كله تورما شديداً.. وأعياني الارهاق فبدأ زوجي يتبرم بظروفي الصحية.. ولا يصبر علي .. ولا يتورع عن أن يجرحني بالكلمات القاسية والاهانة بالرغم من أنني أبذل كل ما في وسعي لارضائه، حيث كنت قد أحببته - ورغبت في صدق أن أحافظ على حياتي معه.. فصبرت على الاهانة وعلى متاعب الحمل الشديدة.. وتعلق أملي بأن يجيء المولود السعيد فيغير أحوال زوجي ويعيد السعادة الى عشنا.. ثم جاءت لحظة الولادة فكانت عصيبة للغاية.. وأنجبت طفلة جميلة وساءت بعدها حالتي الصحية بشدة.. وتشكك الطبيب في حالتي فأجرى لي فحوصا شاملة، وانتهى الى أنني مريضة بمرض مزمن هو المسئول عن هذه الأعراض الغريبة التي صاحبتني خلال الحمل والولادة.. واستسلمت لأقداري وبدأت رحلة العلاج المنهكة.. وبدلا من أن يقف زوجي الى جواري في محنتي المرضية ويخفف عني أسفر عن وجهه بلا مواربة وتبرم بمرضي وراح يوجه لي كلاما جارحاً يؤذي به مشاعري.. ويوما بعد يوم بدأت أشعر تجاهه بغضب شديد الى أن وجدتني بعد عدة شهور أكرهه كرها شديداً، وأطلب منه الطلاق، ورحب هو على الفور بهذه الرغبة وتلقفها بسعادة كأنما كان ينتظرها بشوق، وطلب مني إبراءه من حقوقي فلم أتردد في التنازل له عن كل شىء لكي أتخلص منه، مع أن أملي الوحيد في الحياة كان أن تكون لي أسرة صغيرة سعيدة كغيري من الفتيات.
ورجعت الى بيت أبي أحمل طفلتي الوليدة معي.. وتقبلت أقداري وصبرت على مرضي المزمن الذي لا شفاء منه. وانتظمت في العلاج الذي يقتضي مني الذهاب الى المستشفى مرتين اسبوعيا، وتحملت مضاعفاته المؤلمة في صبر وتسليم.. وخلال فترات العلاج الطويلة هذه كنت استسلم لأحلام اليقظة الوردية فأحلم بأنني قد التقيت بمن أحبني وأحببته وتزوجنا بالرغم من كل شيء وأصبحت لي تلك الأسرة الصغيرة التي أحلم بها. وكنت في أحلام يقظتي هذه أعد من سوف أتزوجه في خيالي بأنه سيكون أسعد انسان في الوجود، وبأن أبذل غاية جهدي لإسعاده وحبه.
وما بين العلاج والعمليات الجراحية المتعددة وأحلام اليقظة مضت أيامي، الى أن ظهر في الفترة الأخيرة علاج جديد استطيع ان اقوم به بنفسي في البيت كل يوم بدلا من الذهاب للمستشفى مرتين اسبوعياً.. بدأت أمارسه بنفسي ولا أذهب للمستشفى إلا للمتابعة كل اسبوعين أو ثلاثة، وبعد عدة سنوات من العذاب والصبر.. لاحظت خلال ترددي على المركز الطبي الذي أتعامل معه أن شابا ينظر الي نظرات طويلة، محيرة.. فقلت لنفسي انه يعرف قصتي مع المرض ويرى طفلتي معي حين أحضر للعلاج ولابد انه يشعر ببعض الإشفاق علي.. ولم أعول على هذه النظرات كثيرا.. الى ان جاء يوم وتقدم مني هذا الشاب ليتحدث معي في أدب ويقول لي انه يريد الزواج مني ويريد ان يتقدم الى أهلي لطلب يدي، فذهلت للمفاجأة وصحت به على الفور ولماذا تظلم نفسك معي؟ فاستوعب انفعالي في هدوء وقال لي ان المرض لا يعيب أحداً وانني لست المسئولة عنه كما انه راقبني لفترة طويلة فوجد في كل ما يريده في شريكة حياته من الأدب والاحترام والتدين.. الخ.
ورجعت الى البيت وانا غارقة في التفكير.. لقد دعوت الله كثيرا وانا مستسلمة للعلاج في فتراته الطويلة أن يهبني السعادة، من عنده.. فترى هل استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائي؟
انه شاب متدين ومستقيم ولم يسبق له الزواج ولديه شقة وليس محتاجا لأحد، فهل من المعقول بأن يضحي بشبابه ويتزوج شابة مريضة مثلي سبق لها الزواج ولديها طفلة صغيرة وأجريت لها عدة عمليات جراحية؟
ولم استطع احتمال أفكاري وحدي فرويت لأهلي عن هذا الشاب وعرضه لي بالزواج ورأيت في عيونهم وهم يسمعون مني القصة نظرة الاشفاق علي وعدم التصديق، ثم بدأوا يدلون بآرائهم فإذا بها كلها تدور حول الخوف من ألا تسمح لي ظروفي الصحية بأن أنهض بمسئولية الزواج.
ثم بعد مناقشات عديدة استمرت لفترات طويلة انتهى أهلي الى رفض طلب هذا الشاب وأضافوا الى الخوف من عدم قدرتي على تحملي مسئولية الزواج، الشك في احتمال ان يكون طامعا في للفارق المادي بيني وبينه، ثم وهو الأهم عندهم وهو ماذا سيقول الناس عنهم اذا زوجوني وانا مريضة في هذه الظروف؟
مع أن هذا الشاب كما قلت لك لا يرغب في أية مساعدة من أي طرف ولديه شقة وكل ما يريده هو أن يتزوج من فتاة تعينه على طاعة ربه، حيث انه شديد التدين، ويرحب بشدة بطفلتي ويقول انه سيتقرب الى الله برعايتها، لقد تألمت كثيراً لحالي بعد رفض أهلي طلب هذا الشاب وشعرت بأن الدنيا قد حكمت علي بالاعدام والحرمان من السعادة الى ما لا نهاية.
وتساءلت: ولماذا لا أجرب حظي معه.. فلربما يكون انسانا صالحا فأسعد معه ويعوضني به ربي عن اختباري بالمرض.. واذا حدث العكس لا قدر الله فماذا عساي أن أخسره، وأنا استطيع الانفصال عنه.. والعودة لحياتي السابقة؟ . هكذا فكرت في أمري. لكن الأهل يرفضون النقاش في هذا الموضوع ويرفضون ان يسمعوا لي وليس أمامي سوى الصمت والصبر على المرض.
انني اريدك ان تنصحني بكلمة تعينني بها على الصبر على آلامي، وسوف أتقبل رأيك في صبر ولو كان برفض هذا الشاب نهائىا.
مع أنه لم يفقد الأمل في اجابته لطلبه وما زال صابرا ينتظر ويصبر طويلا.. وأرجو الرد علي سريعا حتى استطيع ان أنسى هذا الموضوع وأتفرغ لمرضي ومضاعفاته .. وأنا على استعداد لمقابلتك اذا رغبت في ذلك.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

تذكرت وأنا أقرأ رسالتك ما قرأته أخيرا في رواية مزاج للروائي الفرنسي المولود في مصر روبير سوليه على لسان احدى شخصياته حين قال:
- جرحى حوادث الطرق علينا ان نتحدث اليهم لكي نشغلهم عن أوجاعهم، أما جرحى الحياة فينبغي لنا أن نسمع لهم بلا مقاطعة لكي ينفسوا هم عما في صدورهم ويتخففوا من بعض أحزانهم وآلامهم.
ولهذا فان من واجب أهلك ان يسمعوا لك جيدا وبصبر شديد واستعداد أعمق لتفهم احتياجاتك الانسانية، وأحلامك الوردية وغير الوردية يكتفوابالرفض القاطع لمشروع الزواج المقترح عليك ويغلقوا باب المناقشة فيه بلا مناقشة ولا تبصر لوجهة نظرك وللظروف المؤلمة المحيطة بك.
والحق أنهم لا يختلفون معك حول حقك في أن تسعدي بحياتك وفي أن تسكني الى رفيق للحياة يحتويك ويعوضك عن أحزان المرض وتخلي الشريك السابق عنك، وانما هم يختلفون معك في تقويم فرصة السعادة المعروضة عليك الآن وهل ستحقق لك حلم السعادة المنشود، ام انها ستؤدي الى مضاعفة الآلام والأحزان والخسائر النفسية، فأنت ترين أنها تعدك بالسعادة والأمان وتخفيف الأحزان، وترين أنك قادرة على تحمل أعباء الزواج والوفاء بالتزاماته، وتفضلين ان تخوضي التجربة وتتحملي تبعاتها فان سعدت بها فلقد تحقق الغرض منها.. وان شقيت بها لم يصعب عليك التخلص منها وهم من جانبهم وبدافع الحب لك يشفقون عليك من أن تحمل لك التجربة إيلاماً جديداً وخسائر مضاعفة، إذا اختبرت بمحك الواقع فكشفت لك عما يتشككون فيه أو يتخوفون عليك منه، وتتكرر في حياتك محنة النبذ العاطفي لغير ذنب جنيته ومحنة تنكر الرفيق لك تبرماً بظروفك الإنسانية وتخليه عنك في الأوقات الصعبة بدلاً من أن يكون عوناً لك عليها.
كما أنهم مدفوعون أيضاً بالحرص عليك يتخوفون من أن تكون ظروفك الإنسانية مغرية لبعض ذوي النفوس الضعيفة بمحاولة ابتزازك عاطفياً وإنسانياً.. فتتعرضين في المستقبل لبعض ما لا يرضونه لك وما لا يملكون السكوت عليه.
لهذا فإن المشكلة الحقيقية ليست في تشكك الأهل في قدرتك على تحمل مسؤولية الزواج كما تتصورين وإنما هي في تشككهم في عدم جدارة هذا الشاب بك، وظنهم به أنه قد لا يكون خالص الرغبة فيك لشخصك أو غير صادق النية في قبوله بظروفك الإنسانية وعدم تأثره بها في المستقبل، فضلاً عن مخاوفهم من أن تتعرض طفلتك الصغيرة لسوء المعاملة.. إن لم يكن هذا الشاب عند حسن الظن به، غير أنه ليس من المستحيل محاولة التحقق من كل ذلك.. بدراسة شخصية الشاب وظروفه وأخلاقياته وسمعته، إلى جانب التعامل المباشر معه وإخضاعه للتجربة والاختبار في فترة التعارف العائلي قبل أي ارتباط رسمي به.
كما أن الأهل مطالبون إلى جانب حبهم لك وحرصهم عليك وهما ليسا موضع الشك، بأن يضعوا في الاعتبار كذلك ظروفك الإنسانية المؤلمة وقيمة مثل هذه الفرصة التي تعرض لك للسعادة بعد كل ما عانيت من أحزان وآلام، وبألا يغلقوا الأبواب بلا ترو أمام مثل هذه الفرص وأشباهها حتى ولو تطلب الأمر منهم التغاضي عن بعض الاعتبارات الاجتماعية تقديراً لظروفك المؤلمة. وتعويضاً لك عن أقدارك التي لا ذنب لك فيها، وليس من حق أحد حينذاك أن يلومهم إذا فعلوا ذلك.. ومن واجبهم ألا يتحسبوا لما قد يتقول به البعض إذا قدموا بعض التضحيات لإسعاد ابنتهم وتيسير الحياة عليها وإشعارها بحقها في الحياة والزواج كغيرها من الفتيات.. فهم إنما يسعون إلى سعادة ابنتهم بالطريق المشروع ويهتمون بظروفها الإنسانية ويسعون للتخفيف عنها.. وكل ذلك مما يشرف به الأهل الرحماء ويشهد لهم بصدق الحب والرعاية للابنة الممتحنة بأقدارها وليس أبداً مما يصيبهم أو ينقص من أقدارهم.
والتجربة في النهاية هي محك الاختبار كما يقول أهل الحكمة وكثيراً ما أثبتت لنا تجربة الأيام خطأ ظنوننا فيمن تشككنا فيهم فكشفوا لنا عن جوهر أصيل فيهم وكثيراً ما كشفت لنا الأيام خطأ تقديرنا لبعض توسمنا فيهم الخير والصلاح مصداقاً لقول رب السيف والقلم محمود سامي البارودي:
تأتي الأمور بما ليس في خلد
ويخطىء الظن في بعض الأحايين
فعسى أن تثبت تجربة الأيام للأهل المشفقين عليك خطأ ظنونهم في هذا الشاب الراغب فيك بإذن الله.. وعسى أن تهبك السماء بعض ما تستحقين من سعادة وأمان في قادم الأيام إن شاء الله.. وأما تحملك لأعباء الزواج فإن الطبيب المختص يستطيع أن يصدقك النصح في هذا الشأن.. وإن كنت أعرف عن تجربة، أن مرضك المزمن شفاك الله منه والذي حذفت الإشارة إليه رعاية للمشاعر لا يعوق زوجة شابة مثلك عن أداء معظم واجباتها الزوجية إن لم تكن كلها، كما أعرف أيضاً أن بعض من يكابدنه منذ 20 أو 25 عاماً يمارسن حياتهن الزوجية ويرعين أبناءهن.. ويسعد به أزواجهن.. دون عناء كبير.. فاستجمعي ارادتك أيتها السيدة الشابة وتحدثي إلى أهلك بما يدور في أعماقك بلا حرج ولا تهيب.. وطالبيهم بأن يمنحوا هذا الشاب فرصته العادلة لإثبات صحة نيته وصدق رغبته فيك ثم فليحكموا عليه بعد ذلك، وفقاً لما سوف يسفر عنه الاختبار والتفكير الرحيم في أمرك وأمره، ولا بأس بأن تقترحي عليهم أن تكون العصمة في يدك لكي يزدادوا اطمئناناً عليك.. ويثقوا في قدرتك على إنهاء التجربة إن هي كشفت لك ذات يوم لا قدر الله، عما يشفقون عليك منه.. والسلام
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;