الخميس، 3 أبريل 2014

رسالة (ذوبان الجـليـد).ابنتي تتمنى وفاتي

فتحت باب بريدك لرسالتين تحدثت فيهما ابنتان عن شعورهما تجاه الأب الذي انفصل عن الأم ولم يقم بحقهما عليه ومدى الكراهية التي يحملانها في صدريهما تجاه الأب، 
وأرجو الآن أن تفتح بابك كذلك لأب من هذا النوع فقد يكون لديه رأي آخر في الموضوع،
 
فأنا أحد هؤلاء الآباء الذين تسببت الأقدار في بعده عن ابنتيه مع اختلاف في القصة هو أن سبب البعد كان و فاة الأم وضم البنتين لحضانة الجدة من ناحية الأم طبقاً للشرع والحق، إنني لست غريباً عنك، فقد سبق أن نشرت رسالة لي منذ ما يقرب من سبع سنوات
بعنوان انفجار البركان وكان جوهرها هو بعض المشاكل التي تعرضت لها من الحاضنة للبنتين والقضايا العديدة التي عانيت منها وأنا أحاول جاهداً التمسك بالقشة التي تربطني بالابنتين وهي رؤيتهما بحكم المحكمة في ظروف ليست في صالحي أو صالح البنتين، وكان مضمون الرسالة اقتراحي لرجال القانون بألا يتم تحديد الحاضنة ليتامى الأم إلا بعد نيل موافقة الأب على ذلك حتى لا يؤدى اختيار الحاضنة دون الرجوع للأب إلى أن يصبح الأبناء يتامى الأم بالقضاء والقدر، ويتامى الأب بحكم القانون، وكان ردك أن اقتراحي يستحق الاعتبار وأن يبحثه أهل القانون حيث أن تغير الأيام يقتضي تغير الأحكام فالنفوس البشرية قد تغيرت كثيراً في الآونة الأخيرة.. إلخ.
الآن يا سيدي قد تغير الوضع كثيراً جداً وأود أن أورد لك مجرد موقف واحد من مواقف عديدة تعرضت لها خلال سنوات طويلة من العناء والشقاء لعلي أوضح الرأي الآخر في القضية، وأرجو ألا أسبب أذى لمشاعر ابنتي بذلك أذكر أنه ذات يوم وخلال الرؤية وكانت ابنتي الكبرى تقارب السنوات التسع فقط فوجئت بها تتمنى وفاتي مثل أمها لأنني لست أفضل منها، وتمالكت أعصابي ودموعي وأنا أحاورها في هدوء وأشرح لها أهمية وجود الأب للأبناء خاصة لمن فقد أمه وما أوصى به الله والرسول في حق الأب بكلمات بسيطة ولأن البنتين كانتا مبرمجتين فلم تسمعا لي وخاصة في وجود جدهما للأم.. فما كان منها إلا أن قالت لي إنها ستغير اسمها إلى اسم جدها وعندما ستبلغ سن الزواج سوف يقوم أخوالها بتزويجها أو تزوج نفسها- إلى آخر مثل هذه الكلمات التي أدمت قلبي وأبكت عيني وحركت حصوة في كليتي فقضيت أسبوعاً بالمستشفى للعلاج وأنا لا أستوعب أن يخرج مثل هذا الكلام من طفلتي، ولم يكن قد مضى سوى عام واحد على وفاة الأم رحمها الله، وما أكثر ما تعرضت له من هذه الأمور بعد ذلك وكنت عندما أيأس أجد والدتي رحمها الله وأخوتي وأصدقائي ينصحونني بعدم الانسحاب من حياة البنتين لأنهما ابنتاي ويوماً ما ستعرفان ا لحقائق وستعودان إلى أحضاني وصبرت حتى رزقني الله بزوجة فاضلة أكرمني الله بها فقامت دون علمي بمحاولات عديدة وبزيارات كثيرة للبنتين في منزل جدتهما، وحاولت جاهدة أن تجمع شمل الأسرة وتجعل أولادي منها يعرفون أختيهما من زوجتي الراحلة لأنه لا ذنب للأبناء في أحكام القدر ووفقها الله تعالى لحسن نيتها واصرارها المخلص في إذابة الجليد الذي تراكم بيني وبين البنتين وأصبحتا تزوران بيتي في وجودي أو عدم وجودي وتقضيان معنا جزءاً من الاجازة في المصيف إلى جانب الاتصالات التليفونية بيننا.
والجدير بالذكر هو أنني اتصلت منذ ثلاثة أشهر لأطمئن على البنتين تليفونياً فردت علي جدتهما ولم أنه المكالمة بل حييتها فإذا بها تلومني أشد اللوم على انقطاعي عن السؤال عنها طوال الأعوام السابقة وكأن شيئاً لم يكن - وكأن ما حدث لسنوات تعدت الأربعة عشر عاماً لم يكن لها يد فيها وقالت لي إنني أنا الباقي للبنتين وهي الراحلة، وإنهما تحتاجان لي الآن أكثر من أي وقت مضى وأنا الذي سأقوم بتجهيزهما للزواج إلى آخره، وأنا أقول سبحان مغير الأحوال والقلوب واستمرت الأحداث من الأفضل لأفضل حتى أبلغتني زوجتي بعد ذلك - أكرمها الله - أنها عرضت على البنتين أن تحضرا للإقامة معنا هما وجدتهما وأنها ستنزلها منزلة الأم منها وأن ذلك بموافقتي - فشكرت ابنتي الكبرى لها ذلك.
والغرض من ذكر هذه الأحداث المتضادة هو أن أوضح لصاحبتي الرسالتين النار المتأججة و ثمار الشوك أن الآباء قد لا يكون لهم الخيار في الأحداث وأن ما يتعرض له بعض الآباء من ظروف وأحداث قاسية في ظل عدم وجود الناصح الأمين قد يجعلهم يهربون من الواقع أملاً في تغيير الظروف للأحسن.. تأخذهم الأيام بعيداً عن الساحة وينشغلون بالزوجة والأولاد الآخرين فهنا قوة جاذبة له، وهناك قوة طاردة له والأبوة والبنوة مشاعر ترتبط بالممارسة وليست كغريزة الأمومة التي يضعها الله في قلب الأم بمجرد الحمل.. والبعد جفاء بدليل أن الأب في القصتين السابقتين أب لأبناء آخرين ويمارس أبوته معهم بمثالية لأنهم يمارسون معه البنوة أيضاً.. في غياب بنوة الغائبين من الأبناء.
وأنا أعاني ذلك حتى الآن حيث أشعر بأنني مع ابنتي، وهما الآن في إحدى كليات القمة، لست كامل الأبوة معهما وأحزن كثيراً إذا انقطعتا عن الزيارة أو الاتصال وأرجع ذلك إلى أنهما ليستا كاملتي البنوة كذلك وهذا واضح أيضاً فيما نقرأ عنه في علاقة الأبناء بالآباء الذين يسافرون للخارج طلباً للمال وبغرض رفع شأن الأبناء، ويتركون الزوجة والأولاد سنوات طويلة، وعندما يعودون يشعرون أن الزمن باعد بينهم وبين أبنائهم وأصبحوا ناقصي الأبوة.. وأرجو أن تتفهم الابنتان ما قصدته من نشر الرسالة، فقد أعطي العذر لأب حالت ظروفه دون استكمال دوره، وشكري الجزيل لصاحبة رسالة ثمار الشوك لعفوها عن والدها.. ودعائي لصاحبة رسالة النار المتأججة وكل ابنة في مثل ظروفها بأن تعفو وتصفح عن والدها ففي ذلك طاعة لله أولاً.. ولعلاج نفسها ثانية.


ولكاتب هذه الرسالة أقول: توقفت في رسالتك هذه أمام قولك إن الأبوة والبنوة مشاعر تكتسب بالممارسة وليست كغريزة الأمومة التي يغرسها الله سبحانه وتعالى في قلوب الأمهات بمجرد أن تدب الأجنة في الأرحام، وأنك تشعر أحياناً بأنك غير مكتمل الأبوة لابنتيك من زوجتك الراحلة لبعدهما عنك سنوات طوالاً ولحرمانك من أن ترعاهما في صغرهما وتسهم في تشكيل وجدانهما وترقبهما وهما تكبران أمامك فتتجمع خيوط المحبة والمودة والذكريات المشتركة وتصنع حبلاً متيناً من الروابط المعنوية بينكم.
كما توقفت كذلك أمام قولك إنك وإن حزنت في بعض الأحيان لتباعد زياراتهما لك أو اتصالاتهما بك فإنك لا تتهمهما بالعقوق أو الجحود أو التقصير في أداء حق الأب.. وإنما ترى لهما بعض العذر في ذلك لأنهما ولنفس الأسباب السابقة ليسا كاملتي البنوة لك وهذا فهم منصف للوضع يؤكد حكمتك وسماحتك ويخفف عنك بعض ما تستشعره من ألم إيماناً بأن فهم كل شيء يؤدي إلى الصفح عن كل شيء كما قالت الأديبة الفرنسية مدام دي ستايل وربما كان هذا الفهم أيضاً هو الذي أعانك على احتمال الكلمات القاسية التي تفوهت بها بغير وعي ابنتك الكبرى وهي طفلة صغيرة لا تعي أين تقع كلماتها من القلوب الحزينة و لا أي جرم تدميها بها.
كما أعجبني كثيراً أنك لم تيأس أبداً من أن تعد ذات يوم جسور المودة والمحبة بينك وبين ابنتيك مراهناً في ذلك على عجلة الأيام التي تدور بالجميع فتكسب الصغار حكمة الحياة و تعرفهم ما لم يكونوا يعرفون.
أما قمة الإعجاب والاحترام فهي بغيرجدال لزوجتك الفاضلة التي سعت سراً لزيارة هاتين الابنتين وكسب مودتهما واجتذابهما إليها وشجعتهما على زيارتها وزيارتك وحرصت على تعريف ابنائها بهما وتوثيق صلة الرحم بينهم. إنها حقاً الزوجة الصالحة التي قال عنها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه إنها خير متاع الدنيا والتي ما استفاد مؤمن بعد تقوى الله خيراً منها فهي ترعى حدود ربها في زوجها وتحرص على سعادته وإزالة أسباب الكدر التي تؤرقه وترى بثاقب نظرها أن ذلك كله إنما يصب في النهاية في نهرها السعيد بإذن الله، خلافاً لما قد يظنه قصار النظر وضعاف النفوس الذين قد لا يتهللون لإعانة أب مثلك على استعادة ابنتيه لكي يستأثروا به لأنفسهم وحدهم!
فهنيئاً لك ذوبان الثلوج بينك وبين من أبعدتهما عنك من قبل تصاريف القدر الحزينة. وهنيئاً لك خير متاع الدنيا التي عوضك الله سبحانه وتعالى بها عن كل ما عانيت من أحزان وآلام
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;