السبت، 18 أغسطس 2012

رســـــالة (غضــــب الحمامه) بحسن المعاشره تدوم المحـــبه‏



التي نشرت منذ نحو سته اشهر وذكرت لك فيها انني رجل في منتصف الاربعينيات من العمر وقد نشات في اسره ثريه ماديا ومتوسطه اجتماعيا‏,‏ وكنت الابن الاكبر لسبعه اشقاء وشقيقات وورثت عن ابي مصنعا كبيرا وادرته بعد وفاته وانا في المرحله الثانويه وتحملت مسئوليه اشقائي وشقيقاتي ووالدتي‏,‏ واتممت تعليمي ودراستي العليا باحدي كليات القمه وزوجت شقيقاتي وبعض اشقائي واتم الباقون تعليمهم ثم خطبت فتاه انيقه جميله‏,‏ بسرعه وبغير السوال عنها او عن اهلها وتزوجتها سريعا وفوجئت بها بعد ذلك بارده المشاعر متعاليه‏,‏ وعانيت الامرين من غضبها الدائم

واكتشفت ان هذا هو نفس ما تفعله والدتها دائما مع والدها الطيب المسالم الذي جعل هدفه في الحياه ارضاءزوجته وجعل نفسه متنفسا لغضبها‏,‏ وعانيت منذ زواجي من هذا الغضب الدائم والخصام المستمر الذي لا ينتهي بلا سبب‏,‏ حيث لا كلمه رقيقه مني ترضيها ولا هديه تسعدها الا لدقائق او سويعات ان لم تلق بها في القمامه ان كانت في نظرها غير لائقه بها‏,‏ ولم يفلح معها عتاب ولا نصيحه ولا هجر‏,‏ فكل شارده تغضبها اياما واسابيع ثم تصفو يوما او بعض يوم وتستانف بعدها الخصام والغضب من جديد حتي يئست من اصلاحها‏,‏ وبدا يقوم بداخلي حاجز كبير بيني وبينها وامتلات نفسي برفضها من داخلي واصبحت اصاب بالام رهيبه لا اعرف لها سببا بعد اقترابي منها‏,‏ ورويدا رويدا بدات نفسي تعافها حتي لم اعد قادرا علي الاقتراب منها لاكثر من عامين وانا في قمه صحتي‏,‏ وكنت ادعو الله ان يعوضني عنها بالحور العين في الجنه لصبري عليها‏,‏ وتحملت كل ذلك لاجل ابنتي وسلمت امري الي الله وانا الذي كنت تقيا طوال عمري ولاكثر من عشرين عاما لم تفتني صلاه جماعه في المسجد الا نادرا‏,‏ كما اني اقوم الليل في معظم الايام كما رباني والدي علي العطاء والتصدق وحسن معامله الناس‏,‏ وبرغم كل هذا فقد بدات في العامين الاخيرين افكر رغما عني فيما يغضب الله ووجدت عيني تنظران الي ما حرم الله وانا عاجز عن منع نفسي ولا اجد الحلال الذي يعفني ولا استطيع الصبر‏,‏ فارسلت اليك وانا اتساءل في نفسي عما تستطيع كلماتك ان تفعل بعد اكثر من خمسه عشر عاما من المحاولات اليائسه لاصلاح زواجي‏.‏

وكان ردك الذي اذهلني بعد ان ذكرت بالطبع بانني لم احسن قراءه موشرات الوسط العائلي الذي نشات فيه هذه الزوجه في بيت اسرتها كان الرد المعجز بانه حين يصل الانسان الي هذا الحد وفي مثل هذه المرحله الحرجه من العمر فان كل شيء يقدم عليه لاجتناب الخطيئه واعفاف النفس والاستمرار في طاعه الله يصبح مندوبا اليه ومفضلا بل وواجبا دينيا واخلاقيا‏.‏
ووجه عجبي من ردك هو انني اعرف جيدا كراهيتك للزواج الثاني وحربك المستمره عليه وكنت اخذ عليك هذا الامر‏,‏ فقد كنت اري طوال سنوات ما بعد زواجي بان هذا الزواج الثاني قد يكون احيانا الامل الوحيد للرجل المتزوج البائس‏.‏
وكان بقيه الرد هو ان احاول ابلاغ زوجتي باعتزامي الزواج ان لم تصلح حالها واستدراك ما فاتها من حسن العشره ورعايه الزوج واتخاذي خطوات جديه علي هذا الطريق وابلاغها هذه الرساله باي شكل مناسب بانها قد تفقد امانها واستقرارها وتعرض ابنتيها للتمزق بين ابوين منفصلين‏,‏ فان اصاب سهمي الاخير هذا غايته فلقد فزت اخيرا بالسعاده والامان وان لم يكن فلا لوم علي ان تزوجت من اخري بعد تخيير زوجتي بين الاستمرار معي او الانفصال عني‏,‏ وقد نفذت كل ما نصحت به فتعمدت وضع بريد الجمعه امامها لتقرا الرساله‏,‏ وفي صباح اليوم التالي اشتريت شقه وبدات في تاثيثها في اليوم نفسه وتعمدت ان تصلها اخبارها‏,‏ وفي الليله التي قرات زوجتي فيها الرساله لم تنم ليلتها حتي انني عندما نهضت لصلاه الفجر وجدتها في نفس جلستها امام صفحه بريد الجمعه وفي الصباح خرجت الي عملي وعدت قبل المغرب لاجد امراه اخري في انتظاري امراه تستقبلني بوجهها لا بظهرها وبابتسامه لم ار ارق منها لابالغضب والعبوس‏,‏ وبكلمه ترحيب لا بالدعاء الي الله ان ينتقم مني علي ذنب لا اعرفه‏,‏ وفعلت كل ذلك بنظره حياء او ندم علي ما فعلته بي من قبل وبرغم سعادتي بهذا التغير فانني توجست من ان يكون موقتا او عارضا ثم لا يلبث كل شيء ان يرجع الي ما كان عليه‏..‏ لكن الايام توالت وزوجتي علي نفس حالها الجديد وانا انتظر ان تنتهي هذه الهدنه وبداخلي امل في ان تكون قد تغيرت بالفعل ومر علينا اول شهر كاسعد ما يكون الحال وكان شهر رمضان الماضي‏,‏ ولاول مره منذ زواجي احس بطعم هذا الشهر في المنزل كحلاوته في المسجد‏,‏ واشعر بمتعه اجتماع الاهل حول مائده الافطار‏,‏ وهي ترحب باهلي كانهم اهلها واكثر‏,‏ ثم تتخذ هي قرارا من نفسها بان تترك العمل لتتفرغ للبيت والبنتين ولي‏,‏ وكنت خائفا من رد فعل هذا القرار عليها فيما بعد ولكنها ازدادت هدوءا وسكينه ورضا وازددت انا حبا وامتنانا لها وذابت جبال الجليد وجدران رفضي لها‏,‏ واختفي الندم الذي كان يقتلني كل يوم وساعه ودقيقه علي زواجي منها‏,‏ فقد كنت اندم في كل لحظه طوال اكثر من خمسه عشر عاما علي زواجي منها‏,‏ والان فاني احمد الله علي عطيته لي بهذه الزوجه التي كنت اعتبر كل ميزاتها من قبل من نظافه ونظام بالمنزل واهتمام بنفسها وبالبنتين ومهارتها في الاعمال المنزليه هباء ولا تساوي شيئا بجوار السخط والغضب الدائمين‏,‏ اما وقد زال هذا السخط والغضب فقد تجلت كل المزايا الاخري لها وظهر الوجه الذي اراه ا
لان اجمل وجه علي الارض والذي كنت اراه اقبح وجه لامراه‏,‏ واصبح الفم الذي كان يقذف بالسهام الناريه لا تصدر عنه علي قله كلامه الا سهام كيوبيد الورديه واصبحت الان لا اخجل من ان اقول ان احب الناس الي قلبي هي زوجتي بعد ان كنت اعجب من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما سئل من عمرو بن العاص وسط جمع من الصحابه من احب الناس الي قلبك قال عائشه‏.‏ وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما قال‏:‏ الدنيا متاع وخير متاعها المراه الصالحه‏,‏ فالحمد لله علي نعمه التي انعم علي بها واولاها المراه الصالحه‏.‏ والان فقط يا سيدي فلقد اصبحت اتفهم وجهه نظرك في كراهيتك للزواج الثاني للرجل المتزوج وله ابناء‏,‏ وبعد ان كنت اري فيه الامل الوحيد امام اي متزوج اصبحت اري ان اي زوج سعيد في حياته الزوجيه لا يعاني من زوجته ويتزوج عليها انما هو ظالم لها‏,‏ ولا افهم كيف يجرح من اسعدته ويولم من انسته وعاشت معه حياته وانا لست نادما علي السنوات التي مرت من حياتي في نكد وشقاق مع زوجتي من قبل‏,‏ فهكذا الحياه لابد من ابتلاءاتها‏,‏ وانما انا نادم فقط علي كل خاطره سيئه مرت بذهني او نظره الي محرم اختلستها او ليله اضعت فيها قيام الليل‏,‏ رحمنا الله جميعا وغفر لنا وهدي الجميع الي صراطه المستقيم‏,‏ واختتم رسالتي بكلمه شكر واجبه في حق كل من يعملون معك في مكتبك علي حسن استقبالهم ومعاملتهم وتعاطفهم‏,‏ وهذا ليس غريبا علي من يعملون معك‏,‏ اما انت فلن اوفيك حقك مهما قلت وكل ما استطيعه هو الدعاء لك بان يهبك الله سبحانه وتعالي الصحه والعافيه وييسر لك حسابك ويفرج عنك كرب يوم القيامه كما فرجت كربات الدنيا عن الكثيرين‏,‏ وارجو ان نشرت رسالتي الا تحذف هذه الكلمات القليله في حقك ولقد انتظرت طويلا بعد رسالتي الاولي لكي تكون المده كافيه للحكم علي تاثير نشرها علي زوجتي‏,‏ وحتي لا يظن احد انني تعجلت الحكم‏.‏ وقد دفعني لان ارسل هذه الرساله الان رساله السهم الاخير التي انصح كاتبها بان يصبر قليلا كما صبر كثيرا من قبل‏..‏ وعسي ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا كما انصحه بان يحاول ان يفكر فيما يسعد زوجته ويحاول اسعادها بهذه الاشياء‏,‏ حيث من الممكن ان يضحي الانسان باشياء صغيره جدا من وقته وماله وراحته لاسعاد الطرف الاخر فيجد مردود هذه التضحيه سعاده وراحه اكثر كثيرا مما ضحي به‏..‏ والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته‏.‏
ولكاتب هذه الرساله اقول‏:‏

العقلاء من البشر هم الذين اذا اشرفوا علي الوقوع في الهاويه السحيقه‏..‏ قاوموا بكل ما اتوا من جهد قوه الدفع التي تشدهم اليها‏,‏ وتشبثوا باي نتوء بارز او حائل يحول بينهم وبين السقوط الي الهاويه‏..‏ وحاولوا استعاده توازنهم وتماسكهم لكي يرجعوا عن حافه الخطر وهم يلهجون بالشكر لله سبحانه وتعالي ان انجاهم من سوء المصير‏..‏ ولقد يتلقون درس التجربه فيحرصون علي الا يعرضوا حياتهم للهلاك بعد ذلك بالاقتراب من مثل هذه الحافه الخطيره‏.‏
انها لحظه فارقه في حياه الانسان لابد ان تدفعه لمراجعه حياته وافكاره ومفاهيمه التي دفعته بسوء التقدير الي الاقتراب من الهاويه وتعريض حياته وسعادته وامانه للخطر الداهم‏.‏
وليس هناك شك في ان زوجتك قد كشفت في النهايه‏..‏ وبتاثير هذه اللحظه الفارقه عن قلب حكيم استوعب المخاطر التي احدقت بها قبل فوات الاوان واحسنت تقديرها‏,‏ فتراجعت عن الحافه المنذره بالهلاك في الوقت الحاسم‏,‏ وراجعت حياتها معك ولامت نفسها علي فهمها الخاطيء للحياه الزوجيه‏,‏ واقدمت علي ركوب الصعب‏..‏ وهو تقويم النفس من الداخل‏..‏ وتعديل الافكار الخاطئه ومحاوله اكتشاف المعادله الصحيحه للحياه الزوجيه الهانئه‏,‏ وهي المعادله التي يلخصها لنا الكاتب الامريكي ايمرسون في هذه العباره البسيطه‏:‏ بحسن المعاشره تدوم المحبه‏..‏ وليس بجمال الزوجه ولا حسبها ولا مالها ولا بوسامه الزوج او ثرائه ولا بحده الاشتهاء‏..‏ او عمق الرغبه‏,‏ لان الحب الذي لا يرويه طرفاه بماء العطف وحسن الرعايه واحترام المشاعر والعدل الانساني مع الشريك‏,‏ لا يلبث ان ينضب معينه بعد حين ولو كان قد بدا كالشلال الهادر ولا عجب في ان تفعل زوجتك ذلك‏,‏ ولا في ان تطالعك بوجه جديد وشخصيه مختلفه وسلوك حميد بعد هذه المراجعه‏..‏
فالحياه كما يقول لنا الكاتب اريك فروم‏:‏ ميلاد جديد مستمر ولقد يولد الانسان من جديد في اي مرحله من مراحل العمر اذا صح عزمه وصدقت نيته علي تقويم النفس وتعديل افكاره ومفاهيمه ورويته الخاطئه للحياه‏.‏
ولقد تاملت طويلا حديثك عن مزايا زوجتك كام وربه بيت وانثي والتي لم تكن تشعر بها او تحسن تقديرها بتاثير الشقاق المستمر معها وسخطها الابدي عليك وجفائها المتصل لك‏..‏ واطلاقها سهامها الناريه السابقه ضدك‏,‏ فلم اعجب لذلك‏,‏ لان اجواء الشقاق الدائم تفقد الاشياء جدواها‏..‏ وتحجب فضائل كل طرف عن الاخر او تبخسها قيمتها في نظره‏..‏ اما حين تصفو السماء ويسود الوئام وتغرد طيور الحب والوفاق بين الزوجين فان الانسان يصبح اكثر قدره علي تقدير مزايا الاخرين والاعتراف لهم بفضائلهم‏..‏ بل والزهو بها ايضا‏,‏ ولاشك عندي في ان زوجتك قد خاضت مع نفسها معركه عسيره حين قرات رسالتك الاولي في بريد الجمعه‏..‏ فوضعتها امام الحقيقه المزعجه التي لم تضعها في حساباتها من قبل خلال جاهليتها السابقه معك‏..‏ وهي ان اناء الصبر لديك قد امتلا عن اخره وفاض بما فيه وانك تفكر جديا في الزواج من غيرها‏..‏ وخطوت بالفعل بعض الخطوات التمهيديه علي هذا الطريق‏.‏

والروائي الانجليزي جراهام جرين يقول لنا علي لسان احدي شخصيات روايته الممتعه القنصل الفخري‏:‏ ان اسوا الام المطهر تحدث حين يري الناس نتائج اعمالهم والعذاب الذي تسببوا فيه لمن احبوهم‏!.
والموكد هو انها قد كابدت اسوا الام المطهر هذه حين رات نتائج ما فعلت بحياتها معك‏,‏ وانت الذي اخلصت لها الحب من قبل تتجسد امامها في عزمك الصادق علي الزواج من غيرها‏..‏ فسارعت باصلاح نفسها وتعديل افكارها‏..‏ واتقت غضب الحمامه قبل ان ينفجر او ينطلق من عنانه‏.‏
والمثل الالماني يقول‏:‏ اتق غضب الحمامه‏!

وهو اشاره حكيمه الي ان هذا الطائر الوديع الجميل المسالم الذي يتخذه العالم رمزا للسلام‏,‏ ينفرد كما يقول لنا علماء الحيوان دون غيره من الطيور والحيوانات بخاصيه عجيبه هي انه اذا انفجر غضبه وهو ما يحدث نادرا فانه لا يرجع عن خصمه قبل ان يهلكه وحتي لو استسلم له الخصم وكف عن القتال‏,‏ وعلي خلاف معظم الحيوانات المفترسه التي اذا استسلم لها خصمها في القتال ونام مادا ذراعيه وراسه علي الارض‏,‏ زهدت في مواصله القتال معه ورجعت عنه‏!‏

فما احوجنا جميعا رجالا ونساء وازواجا وزوجات ان نتجنب دائما غضب الاخرين المسالمين الذين لا يطلبون من الحياه الا الامان‏..‏ والسعاده والانصاف‏,‏ لانه اذا انفجر غضب مدمر‏.‏ فالحمد لله الذي ازاح الغمه السابقه عن حياتك واعاد اليك السعاده والامان والاستقرار‏.‏
واهلا بزوجتك في واحه التفاهم‏..‏ والتراحم والسلام العائلي والموده‏..‏ والامان‏..‏ وهنيئا لك سهامها المعطره الجديده التي ترشق قلبك وصدرك بورود الحب والسعاده وتمحو اثار جراح السهام الناريه السابقه‏..‏ باذن الله‏.‏


انشر
-

هناك تعليق واحد:

  1. هنيئا لك حبيبيتك ولا اقول زوجتك
    و هنيئا لها ان تصالحت مع نفسها اولا و مع حبيبها ثانيا

    ردحذف

;