الثلاثاء، 24 أبريل 2012

رسالة (سجن الاحزان ..! ...)انى حائرة ومعذبة ومشغولة بالتفكير


هذه رسالة من الرسائل التى أفضل عادة الرد على اصحابها برسائل شخصية تجيب على تساؤلاتهم وأفضل دائما عدم نشرها لكيلا تتسبب فى ايلام احد.. اواثارة مخاوف البعض ممن قد تتشابه ظروفهم بالصدفة مع ظروف كاتب او كاتبة الرسالة. لكنى اضطررت لنشرها هذه المرة لأنها خالية من العنوان ولأنى لم استطع ان اتحاهل تساؤل كاتبتها الذى لم اتلق تساؤلا مثله من سيدة من قبل ثم ايضا لآنى اردت بحق ان اشارك كاتبتها مشاعرها الحزينة وان اشير عليها بالرأى فيما طلبته منى قدر جهدى... تقول كلمات الرسالة:
اكتب اليك بعد عذاب طويل لأنى اريد ان يشاركنى احد مشكلتى ولو بالانصات اليها.


أنا سيدة فى الثلاثين من عمرى اعطتنى الدنيا الكثير والكثير .. وعشت كل مرحلة من مراحل حياتى كما ينبغى ان تكون، وحين بلغت الخامسة والعشرين زففت الى احد اقربائى و هو شاب تتمناه اية فتاة وبالرغم من ان زواجى به كان تقليديا الا انى بمرور الوقت بعد الزواج تفجر فى قلبى حبه كأنه ينبوع كان مكتوما وينتظر من يفتحه فأصبح زوجى هو كل حياتى وأصبح حبه يجرى فى دمائى وأتنفسه مع الهواء الذى استنشقه وساد التفاهم بيننا فى كل شىء.
وزوجى رجل اعمال ناجح جدا والحمد لله.. وانا خريجة جامعية لكننى لم اعمل لأتفرغ لرعاية مملكتى .. فلدى كل ماتتمناه سيدة فى مستواى المادى والاجتماعى ولدى شقة مؤثثة بأغلى الأثاث .. وأهم من ذلك ان الحب يظللها من كل جانب ، وبعد عامين من الزواج امضيناها فى السعادة .. والذكريات الجميلة وقضاء الاجازات فى الخارج ، تحقق اكبر احلامى وجاءت اللحظة التى قلت فيها لزوجى وانا احس مزيجا من الفرح والفخر والخجل، "انا حامل" ولا تتصور سعادتى بهذا الحمل .. فلقد طرت فرحا به ورحت اعد الأيام الباقية على وصول مولودى الأول واتخيل نفسى وانا اهدهده .. واسهر عليه ... وارعاه وجاء الطفل جميلا كما تخيلته وفرحت به فرحة العمر وكذلك زوجى.. لكن ظلا ثقيلا كان يخيم عليه منذ ايامه الأولى فالطفل مريض ولكن بأى مرض؟ لا احد يعرف ! كا ما اعرفه انى امضيت الشهور الأولى بعد ولادته فى سهر وأرق وعذاب وبكاء وطواف على الاطباء بغير ان يشفى احد غليلنا وذات صباح كئيب وطفلى عمره 6 شهور بالضبط مات حلم حياتى وماتت معه اشياء كثيرة فى داخلى.

والتف حولنا الأهل والأصدقاء يخففون عنا آلامنا وسمعت كلمات مواساة عديدة وقيل لنا ان هذا يحدث كثيرا وان علينا ان ننسى ما جرى وان نواصل حياتنا وننجب طفلا غيره وبعد شهور من هذه الصدمة تمالكت نفسى قليلا وعشت حياتى لكن شيئا من الحزن العميق كان قد تسلل الى قلبى واستقر فيه وبعد شهور اخرى حملت من جديد وانسانى الحمل بعض الامى وتعلقت نفسى بالأمل مرة اخرى وحرصنا هذه المرة على ان نستشير كبار الأطباء فى كل خطوة وسار الحمل سيره الطبيعى الى ان جاءت الولادة ووضعت طفلا ثانيا كان لدهشتى كانه تؤام لوليدى الآخر الذى انسحب من الحياة تؤام له فى كل شىء فى شكله وملامحه وفى بكائه وسهره وعذابه .. ولا أعرف ماذا اقول لك اكثر من ذلك فلقد كان توامه ايضا فى العمر وذبلت زهرته هو الآخر وبعد 180 يوما بالضبط ياسيدى اكتوى قلبى مرة اخرى بنار فراقه .. كأن حياتيهما معا كانتا قصة واحدة تكررت مرتين بنفس التفاصيل.

وخيم الحزن على حياتى وأصبح بيتى الذى كان كالقصر.. صحراء موحشة .. و اصبحت الايام تمضى رمادية ثقيلة .. وأصحبت ليالى طويلة امضى بعضها نائمة الى جوار زوجى مغمضة العينين يقظى الحواس تتسلل الدموع ببطء من تحت اجفانى حتى احس بزوجى ينهض.. فأنهض معه واتبادل معه تحية الصباح ويبدأ يوم جديد من ايامى الحزينة لقد قال الأطباء كلاما نظريا كثيرا وقال البعض ان ما حدث ربما يكون ناتجا عن زواج الاقارب لكنهم لا يجزمون بشىء ولا يخففون من حيرتى فاذا كان ما يقولون صحيحا .. فهل انفصل عن زوجى الذى احبه كل هذا الحب لكى احقق رغبتى فى الأمومة وانا احب الأطفال حبا يملك على نفسى طوال حياتى حتى انى اشعر مع كل طفل اقابله كأن بينى وبينه صلة؟.. ام ارضى بقدرى ونصيبى وأفترض انى عقيم لا تنجب واحرم نفسى الى الابد من سماع كلمة "ماما".

انى حائرة ومعذبة ومشغولة بالتفكير دائما فى المستقبل فأرشدنى الى الصواب ياسيدى؟

ولكاتبة هذه الرسالة الأليمة اقول


وما ذنب زوجك المكلوم ياسيدتى لكى تضاعفى من آلامه بالتفكير فى الانفصال عنه جريا وراء امل غير مضمون فى الانجاب؟ اننى اقدر تماما ما تعانين من آلام قد لا تسمح لك حاليا بالتفكير فى امرك واسألك .. لماذا اولا جزمت بما لا يجزم به الاطباء حتى الآن وهو ان قرابتكما هى السبب الوحيد لما جرى؟ لقد طرح الأطباء احتمالا غير مؤكد فقط، والاحتمال قد يصدق وقد لا يصدق.. ولا احد يستطيع ان يجزم بثقة انك سوف تحرمين من الانجاب الى الابد اذا استمرت زيجتك هذه وكثيرا ما رأينا فى الحياة تجارب كثيرة مماثلة ذبلت فيها الزهرة الأولى مبكرا واحيانا الثانية ثم جاءت الحياة بعد ذلك على الزوجين بباقة من الزهور نمت واينعت واسعدت القلوب الحزينة وانستها آلامها القديمة لا ياسيدتى اننى لا اؤيدك ابدا فى فكرة الانفصال عن زوجك ولا اشجعك عليها وانما اطالبك بأن تزدادى قربا منه وارتباطا به وبأن يكون كل منكما للآخر عزاءه وسلواه وفدية الحياة مع عما حرمته منه، فتجتازان معا هذه المحنة، وتخرجان منها بأذن الله أكثر انصهارا وارتباطا وحبا فالتجارب الأليمة ايضا ياسيدى يمكنان تجمع بين القلوب ولا ترق بينها والدنيا عموما "شجون تلتقى" كما يقولون "وحزين يتأسى بحزين" وفى حالتك هذه بالذات ينبغى ان يتأسى كل منكما بالآخر لا ان يفارقه، اننا نرفض( دائما هذه الفكرة من أساسها بالنسبة للرجل حين يفكر فى هدم عشه جريا وراء امل الانجاب، ونذكره دائما بتجارب الحياة ودروسها التى كثيرا ما اخلفت الظنون واورثت بعض من اقدموا على هذه المخاطرة الندم والحسرة بعد ان اضاعوا من ايديهم الحب الحقيقى فكيف تفقدين مثل هذا الزوج .. ومن ادراك انك سوف تستعدين مع غيره او انك اصلا سوف تنجبين من غيره ولم لا تجعلين منه الزوج والأب والأخ والابن ايضا فتفرغى فيه امومتك وحنانك وانت فلا اقصى الاحتمالات قادرة اذا ما يئست تماما من الانجاب على رعاية طفل محروم تسدين لاليه يدا وتقدمين للحياة نفسا انقدتها من الحرمان ان الحياة. تطالبتا دائما بأن نتواءم مع واقعنا فيها مهما كان اليما وان نتقبل شاكرين ما تعطينا .. وان نقبل راضين بما تحرمنا منه للأن هذا هو الطريق الوحيد لاحتمال الحياة ولقد نشرت فى نفس هذا المكان منذ اسبوعين رسالة لزوجة لديها عدة ابناء وسعيدة مع زوجها لكنها تعانى من بعض الحرمان ومن بعض تطلعاتها لحياة مادية افضل.. ففكرت فى التخلى عن احد ابنائها لمستثمر ثرى محروم من الانجاب مقابل مبلغ من المال ثم تراجعت فى النهاية ساخطة غاضبة! الا يعنى ذلك ان الأمومة وحدها لم تحقق لها السعادة التى ترضاها وان لكل انسان من همه ما يشقيه .. اننى اقول لك ذلك ياسيدتى لكى تسترجى نفسك وتخففى من احزانك وتواصلى الحياة.

فلا تشغلى نفسك طويلا بأمر المستقبل فما يشقى الانسان بشىء فى حياته بأكثر من انشغاله الزائد بالمستقبل كانه هو من يصنعه ويتحكم فيه وليس الله سبحانه وتعالى اننى لست ضد الاهتمام بأمر المستقبل والاستعداد له.. لكنى ضد المغالاة فى ذلك الى حد ان يدفعنا الى الانشغال المستمر به فنخسر ايامنا التى نعيشها ونرتكب الاخطاء الفادحة تحسبا للمستقبل الذى لا يضمن احد مجيئة .. فثقى بربك واتجهى اليه بمشاعرك وأعطى الآخرين من نفسك ومالك ما تتقربين به اليه ثم سليه من فضله يعطك ما يشاء ويمسح عنك آلامك انه على كل شىء قدير.
انشر
-

هناك تعليقان (2):

  1. المؤمنة بقضاء الله30 يناير 2013 في 10:11 ص

    يا رب ارزقني وارزق كل محرومة بالذرية الصالحة

    ردحذف
  2. المؤمنة بقضاء الله30 يناير 2013 في 10:36 ص

    يارب ارزقني وارزق كل محرومة بالذرية الصالحة

    ردحذف

;