الأحد، 25 ديسمبر 2011

15)رسالة (البديل)...خيانة لذكرى الشقيق الراحل

انا ياسيدى شاب من اسرة مكافحة .. كافح ابى لكى يحقق لنا مستوى افضل من الحياة وكنت اصغر اخوتى فالتحقت باحدى الكليات المرموقة اسما واقمت فى القاهرة وواصلت تفوقى الدراسى الى ان وصلت الى السنة الثالثة الجامعةي ثم فوجئت ذات يوم بشقيقى الذى يكبرنى مباشرة يأتى الى مسكنى ذات صباح مستقلا سيارة اجرة من بلدتنا .. ويطلب منى العودة معه فى نفس السيارة لأن ابى متعب ويريد ان يرانى فانقبض صدرى على الفو
ر واستشعرت من حضورة بسيارة اجرة تنتظره حتى يعود خطورة الأمر وظللت طوال الطريق ارتجف الى ان وصلنا بعد اطول رحلة فى حياتى الى البلدة .. ففوجئت بأخى يخبرنى فجأة ونحن نقترب من البيت بأن شقيقنا الأكبر قد رحل عن حياتنا فى حادث اليم .. فاهتز كيانى كله .. وانفجرت دمعى .. وقفزت صورة شقيقى الاكبر الى مخيلتى فلم اعد ارى غيرها .. واعتصرنى الحزن على شقيقى الذى كان لى ابا واخا .. والذى عاش صباه مغتربا سائحا فى بلاد الله لكى يرفع من مستوانا .. ليرانا افضل شأنا شقيقى الذى لم يفكر فى نفسه ابدا فلم يتزوج الا قبل شهور والذى عرف منذ اسابيع ان فى احشاء زوجته جنينا .. شقيقى الذى احتضن الاسرة كلها وخصنى بحبه ورعايته وطار بى فرحا حين احرزت المركز الأول فى بلدتى فى الثانوي ةالعامة , وانتهت الايام الكئيبة وعدت الى القاهرة لأواصل دراستى وانا موجع القلب مهموما وبعد 4 شهور من رحيل شقيقى وضعت ارملته وليدها فجدد مولده احزاننا عليه .. كأنما قد مات مرة اخرى يوم مولد هذا الوليد الذى حكمت عليه الاقدار باليتم .. وبدأت ازور هذا الوليد فى بيت امه فأحس بأن الله قد ربط بين قلبى وبينه برباط لا ينفصم وبعد شهور بدأ زوج شقيقتى يتحدث عن ان ينشأ الوليد المحروم بيننا وان نراعاه وفاء لذكرى ابيه..

وانتقل الحديث بعد ذلك الى ان الموقف يتطلب التنازل عن اية اعتبارات شخصية وان يتزوج احدنا انا او شقيقى ارملة اخى لرعاية وليده.. ولم ارفض الفكرة ولم اتهلل لها واعلنت موافقتى من ناحية المبدأ وفاء لشقيقى الراحل .. وشاءت ارادة الله ان توافق ارملته الشابة على الارتباط بى لنفس الدوافع .. فعقدت قرانى عليها فى سرية تامة قبل شهور من اداء امتحانى الأخير فى الكلية وعدت الى القاهرة زوجا على الورق لأرملة شقيقى .. وابا بالرعاية لأبنه، وواصلت دراستى ووفقنى الله للنجاح والحصول على شهادتى وعدت الى بلدتى .. واصبح ضروريا ان يتحول الزواج على الورق الى زواج فى الواقع .. فتم زفافنا الصامت فى سرية اشد حزنا على أخى الراحل وفى نفس البيت الذى يضمنا جميعا ولا استطيع ان اصف لك معاناتى النفسية وحرجى بل وخجلى وانا اجد نفسى زوجا لأرملة شقيقى فى شقته . وفوق اثاثه وتحت انظار امى المكلومة واهلى المحزونين .. لكن ماذا افعل وقد قدر الله لى ذلك ورضيت بما اختاره لى وصاحبت ظروف زواجى الحرجة ظروفى كخريج شاب لا يملك شيئا ويؤدى الخدمة العسكرية فلم يكن يخفف من وطأتها على سوى رعايتى للطفل الوليد وابتسامته ودعابته واولى كلماته التى نطق بها كلمة بابا وهو يشير الى فسالت دمع الفرح والحزن فى وقت واحد فى عينى اما زوجتى فقد ربطنى بها منذ البداية الاحساس بالاحترام والتقدير لظروفها وقد شملتنى من اليوم الأول لزواجنا بحنانها ورعايتها كأنما كانت تعرف ان كلا منا يحتاج الى ان يهون على الآخر ظروفه ومعاناته بعد ان ربطت بيننا الاقدار فبادلتها حنانا وعطفا.. واحسست بشرارة الحب تولد فى قلبى ثم تتعمق وتتأصل داخلى فعرفت ان الله وحده هو الذى يؤلف القلوب ويهدى النفوس.

ومرض ابى عقب رحيل اخى بعدة شهور فلازم الفراش عامين ثم رحل عن دنيانا حزينا وانجبت انا طفلة اصبحت اختا لأبنى الاول وعملت وبدأت احوالى تستقر لكن معاناتى النفسية مع مشكلة اخرى بدأت تتضخم وتؤرق سعادتى فلقد اصبحت انا فجأة هدفا لقسوة امى وجفاء معاملتها ونظراتها الساخطة لمجرد انى سعيد فى زواجى وبدأت اشعر اننى ارتكب جرما لااعرفه .. وازدات علاقتى بها سوءا شهرا بعد شهر وحاولت استرضاءها فعجزت .. وكان ما يؤلمها ان الطفل اليتيم ينادينى بكلمة بابا وكان فى الثالثة من عمره فتعمدت ذات يوم ان تتحدث امامه عن الماضى وان تخرج صور شقيقى الراحل وتريها له ولم اكن فى البيت عندما حدث لك ففوجئت به عند عودتى يسألنى هل صحيح انك لست بابا يابابا فأحسست بغصة فى قلبى .. ولم اجر جوابا ثم علمت بما حدث وعاتبت امى واستعطفت قلبها ان ترحم الطفل من تجرع الالم فى هذه السن الصغيرى خاصة اننى لم ادع اننى ابوه ولن افعل فلم يجد العتاب معها وساءت علاقتها بى اكثر حتى تدهورت الى مستوى محزن ففوجئت بها ذات يوم تضع يدها على كتاب الله وتقسم بأنها لا تطيق ان ترانى امام عينها!

فماذا فعلت ياسيدى لكى استحق كل هذه القسوة؟ انها ترفض دائما دخول شقتى والجلوس معنا وتعامل زوجتى بشىء من القسوة وانا بمنتهى القسوة فماذا فعلا لكى انال كل غضبها الى هذا الحد.. وماذا افعل لكيلا تموت وهى غاضبة وساخطة على ان زوجتى توصينى دائما بها وتذكرنى دائما بظروفها وبصدمتها فى شقيقى وبوحدتها بعد ابى وتطلب منى استرضاءها وانا لااقصر فى ذلك لكنها لا تصفح .. فما هى جريمتى عندها ياسيدى وكيف اكفر عنها!

ولكاتب هذه الرسالة اقول: 

جريمتك عندها فيما اتصوره هى انك لم تحترس فى اعلان سعادتك بالحياة مع ارملة شقيقك الآخر لكان شقاؤها بهذا الطفل اليتيم عظيما ولكانت جريمتكما عندها اكبر! لكنها من ناحية اخرى لم تستطع ان تتقبل بعد حقائق الحياة التى قذت بأن تحل محل ابنها الراحل .. واصبحت تضيق بسعادتك الزوجية وتعتبرها خيانة لذكرى الشقيق الراحل ولهوا عن الحزن عليه.. ولو كنت قد شقيت بهذا الزواج لكان شقاؤها بتعاستك هما اكبر يضاف الى همومها انهامر فى غاية التعقيد وانت فى الحقيقة لم ترتكب جرما اثما فالزواج من ارملة الشقيق الراحل لرعاية ابنائه امر مندوب اليه فى الاسلام لكن الأمر يتطلب منك بعض الحصافة لكى تحمى سعادتك الخاصة وتتجنب ايلام الأم الحزينة فى نفس الوقت .. وتستطيع ان تحقق ذلك اذا ادركت الفارق الجوهرى بين حزن الأم الأبدى على اعزائها الراحلين وبين الحزن العاقل للآخرين الذين يعرفون ان الحياة شلال صاخب لا يتوقف عن الهدير وانه لا مفر من ان نحيا حياتنا مهما شهدت من آلام مادمنا لا نعرف طريقا مشروعا للخروج منها.. ولا بأس بأن تفتعل بعض الهموم الزوجية وان تسر بها اليها من حين الى آخر وتطلب منها العون والنصيحة مادامت زوجتك تعرف به وتثق فى حبك واخلاصك لها.
فلا تيأس من محاولاتك معها ولاتقصر فى حقها فلها العتبى حتى ترضى وعليك الصبر والاحتمال الى ان تخفف النفس من بعض احزانها .. والزمن كفيل بمداواة الجراح فى النهاية
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;