الاثنين، 26 ديسمبر 2011

4) رساله ( العام الأخير)كل من يملك قلب رقيق لا يقرأ هذه القصه

هذه الرسالة أريد أن أنشرها بغير تدخل مني في صياغتها أو في إعادة ترتيب بعض أجزائها.. ذلك أن اضطراب سياقها أكثر تصويرا لحالة كاتبتها وظروف قصتها من أي محاولة لروايتها بالتسلسل الطبيعي كغيرها من القصص , فإن كنت قد تدخلت في صياغة هذه الرسالة فليس سوى بحذف بعض الكلمات التي تجرح المشاعر.. وتوضيح بعض مفرداتها الغامضة وإثبات بعض الكلمات التي سقطت سهوا من الكاتبة خلال انفعالها بما تحكيه.. ولنبدأ معا قراءة هذه القصة التي أقضت مضجعي ووضعتني أما اختبار رهيب من اختبارات الحياة التي لا حد لقسوتها وبشاعتها في بعض الأحيان . تقول الرسالة المفزعة..

بعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه وعلى اله وصحبه أفضل وأتم السلام ..
الأستاذ الفاضل ... لا أعرف والله كيف ولا من أين أبدأ رسالتي لكني فقط أدعو الله ألا تصل إليك رسالة مشابهة لها من أحد غيري وقاك الله ووقى الجميع شر ما تحكيه. إنني سأحاول ان أسرد قصتي بدون استخدام عبارات مثيرة للعاطفة أو للشفقة فالحقيقة أني أكتبها تهدئة لي قبل غيري ولا أريد مزيدا من الشحن أو الإثارة , ولنبدأ القصة منذ 5 سنوات , فقد كنت طالبة بكلية الطب على قدر من الجمال و محجبة و متدينة ولا أتحدث الى أي شاب إلا لحاجة ضرورية في الدراسة أو العمل , وذات مرة وكنت في السنة الرابعة بكليتي تحدثت مع طبيب امتياز شاب فأعجب بي لكنه فشل في التحدث معي مرة أخرى .. فتقدم الى ابي وفاتحه في خطبتي فرحب به أبي لكرم أخلاقه بالرغم من تواضع امكاناته المادية , وتمت خطبتي له , وكان أول شاب في حياتي فأحببته بكل جوارحي وأحبني كثيرا , وبعد تخرجي مباشرة تزوجنا وسعدنا بزواجنا رغم قلة امكاناته , فأنا أيضا من أسرة بسيطة تقطن في حي شعبي وإن كان إخوتي جميعا قد استطاعوا أن يتعلموا ويشقوا طريقهم الى أعلى المراكز العلمية.
وبعد عام من زواجنا رزقت بأول مولود لي , وكان رزقه واسع والحمد لله فحصلت على عقد عمل في أحد مستشفيات دولة خليجية تداعب فكرة العمل بها أحلام بعض الخريجين , فسعدت به جدا وحسدتني عليه زميلاتي , لكن أبي وأهلي لتدينهم الشديد رفضوا فكرة سفري للعمل وحيدة في تلك الدولة العربية , وأصر أبي ألا أسافر إلا ومعي محرم أو أعتذر عن عدم قبول هذا العمل , وشاء الحظ أن أحقق رغبة أهلي فعثر زوجي على عقد بمستوصف خاص بنفس المدينة , وسافرنا الى هذه الدولة أنا وزوجي وطفلي الوليد نحمل أحلاما ليست مسرفة في الخيال واتفقنا على ألا نطيل اغترابنا إلا بقدر ما نستطيع ان نحقق به مطالبنا الضرورية , وهي شقة عيادة لزوجي في مصر وسيارة متوسطة تحملنا الى أعمالنا ونخرج بها في زياراتنا , ومبلغ مدخر لا يزيد عن 10 آلاف جنيه نضعه في البنك ليكون أمانا لنا ضد الطواريء . ومضى العام الأول لنا في الغربة فكنت فيه ابخل من بخيله على نفسي وطفلي لنوفر ثمن شقة العيادة , واستطعنا فعلا ان نحصل على شقة للعيادة ليست متواضعة وليست فاخرة وحققنا بذلك أول أحلامنا .
وتمكنا في العام الثاني من شراء سيارة جديدة وادخار عدة آلاف من الجنيهات في البنك في مصر وانقضى العام الثالث فجهزنا شقتنا الزوجية في مصر بالمفروشات اللائقة , وجهزنا عيادة زوجي بالأجهزة الطبية المطلوبة وقام زملاء زوجي بشرائها لنا في مصر ووضعها بالعيادة لهذا فلم نتمكن من استكمال رصيد المدخرات المطلوب الى 10 آلاف جنيه كما كنا نخطط لأنفسنا وتوقفنا نسأل نفسينا هل نكتفي بذلك أم نصر على تحقيق الهدف الأخير واستكمال الرصيد الى المبلغ المطلوب وبعد مناقشات طويلة استقر رأينا على أن نمضي عاما رابعا في تلك الدولة علة أن يكون عامنا الأخير فيها ثم نعود بعدها لنبدأ حياتنا العملية في مصر راضين بما أعطانا الله من فضله وكنت وقتها حاملا في طفلي الثاني . واقترب موعد ولادتي , وولدت طفلا آخر منذ أربعة شهور وطلب مني زوجي أن (انزل) بطفلي في أجازة وحصلت على أجازة 45 يوما فقط وانتهت الأجازة وعدت الى المستشفى التي أعمل بها.
ومن هنا على رأي زوجي (تبدأ الحكاية) وبالمناسبة أنا كنت صاحبة دم خفيف وبنت نكته كما يقولون أما زوجي فلا يبارى في النكت و الضحك العالي لكني (كنت) و (كان) .. وهذه مجرد ملحوظة- وأعود الى رواية قصتي , فبعد أسبوع من عودتي للمستشفى حدث ما لا أقول عنه غزوا أو تتارا كما يكتبون في الصحف , ولكن حدث ما لا أستطيع أن أصفه فقد حدث غزو العراق للكويت التي نعمل بها , وكنت ليلة الغزو في نوبتي للمبيت في المستشفى التي أعمل بها وهي مخصصة للنساء , فلم أستطع مغادرة المستشفى لمدة يومين لأن كل المستشفيات أصبحت في حالة طواريء ولم اعلم شيئا عن زوجي وطفلي الصغيرين , وفي اليوم الثالث حدث ما لم أتخيله في أشد الأحلام المزعجة رعبا , فقد حدث هجوم وحشي على المستشفى من ((أبطال الغزو)) وأقول لك والسخرية القاتلة تملؤني أن الوضع أصبح فجأة هكذا : الممرضات للجنود الأشاوس والطبيبات للضباط الأبطال !! هل تصدق ذلك ؟!أنا نفسي لا أصدق ولا أعرف شيئا عما حدث ولكني أقسم لك أني قاومت مقاومة لم أكن أتخيل أني قادرة عليها حتى عجزت ووجدت الجميع يصرخن ويولون المرأة التي تزيد مقاومتها على الحد المحتمل تصبح هي الطبق الشهي للجميع نكاية فيها , وفجأة وأنا وسط المأساة رأيت زوجي!! .. نعم زوجي ..لا أعرف كيف حضر ولا كيف دخل المستشفى .. هل أحس بالقلق علي فجأة فجاء ليطمئن علي؟..لا أعرف , كل ما اعرفه أني رأيته فجأة ومعه مجموعة من الرجال المصريين والأطباء يحاولون ويحاول زوجي معهم الدفاع عن الممرضات والطبيبات بل والمريضات أنفسهن ضد ((الأبطال الغزاة)) الذين يعتدون عليهن بلا رحمة ورأيت زوجي والرجال بعد قليل محاصرين والجنود يصوبون إليهم المدافع والبنادق ويهددون من يتحرك بقتله وصرخت حين رأيت من يقف بجوار زوجي مباشرة وهو زميل وصديق يقع على الأرض قتيلا برصاصة في صدره , وصرخت على أطفالي وعلى نفسي وعلى زوجي ولم يستطع أحد يفعل أي شيء لأي أحد .. لأي شيء لأي أحد ولا أعرف ماذا حدث سوى أني وجدت نفسي بعدها على أرض المستشفى والدماء تنزف مني بغزارة وبجواري زوجي يحاول إنقاذي من النزيف الشديد , فرجوته ألا ينقذني ويتركني أنزف حتى الموت , فتمتم بكلمات مقتضبة بأن الأطفال يحتاجون لي وبأن الذنب ليس ذنبي , وصدقته وقاومت المرض وعدت معه الى البيت ولم أبك مطلقا ولم تنزل دمعة واحدة من عيني ولم تلتق عيناي بعيني زوجي أبدا فهو لا يرفع وجهه إلي مطلقا وأنا لا أرفع وجهي إليه ولا نتحدث إلا للضرورة القصوى , وظللنا على هذا الحال عدة أيام لا نغادر البيت ولا نتكلم ولا نكاد نأكل طعاما ثم استطعنا ان نهرب من مدينة الأحلام المنهارة بسيارة الزميل الذي سقط قتيلا بجوار زوجي, وبدأن رحلة العذاب الطويلة في الصحراء القاحلة , وفي درجة حرارة لا توصف فلم يحتمل وليدي الصغير هذه الظروف القاسية (فنفق) منا في الطريق .. نعم (نفق) أي مات كما تنفق الهرة أو البقرة الضعيفة لأن الحزن سمم اللبن في صدري ولم يكن له معنا طعام ولا ماء (فنفق) بين أيدينا وأنا وأبوه طبيبان ولا نملك له شيئا فكان آخر وأغلى وديعة أودعتها ارض الأحلام قبل ان أغادرها للأبد .. ولم ابك أيضا ولم اذرف دمعة واحدة ولم يبك زوجي كذلك وواصلنا الرحلة في الصحراء القاحلة صامتين لا نتفوه بكلمة واحدة طوال المسافة الشاسعة , وكل همنا الوصول الى بلادنا ولا يشغلني إلا خوفي على ابني الآخر الذي أصبح ابني الوحيد وكاد يضيع منا هو الآخر.
وأخيرا وصلنا الى ارض بلادنا الحبيبة في نويبع ومنها الى مدينتنا وفي الطريق نطق زوجي لأول مرة وبغير ان ينظر ناحيتي طالبا مني بألا أحكي شيئا عما حدث وان أنكر ما حدث إذا سألنا أحد من الأهل عما كان يجري في المستشفيات هناك , لأنه كما قال ليس في حاجة الى المزيد من الفضائح , واستقبلنا الأهل ولم نرو لهم شيئا , وعدنا الى شقتنا بعد عناء الرحلة القاسية والذكريات المريرة .. وأملت ان تخرج العودة لمصر الحزن من قلب زوجي لأني لم أعد أتمنى شيئا من الحياة سواه لرعاية طفلي أما أنا فقد انتهيت ولا يستطيع أحد أن يمحو من ذاكرتي ما مر بي . لكن الأيام مضت يا سيدي وزوجي يلتهمه الحزن ويتدهور أكثر وأكثر وقد مضى على عودتنا الآن أكثر من شهر وهو لا يغادر الصالون ليلا ولا نهارا وينام على الأرض ولا ينظر إلي ولا انظر إليه . أما سبب إرسالي هذا الخطاب لك هو ان زوجي يحب آرائك كثيرا وقد رأيته يكتب ورقة ثم يمزقها فلملمت أجزاءها بغير أن يعرف وقرأت فيها رسالة كان يكتبها إليك ثم غير رأيه وكان يقول لك فيما معناه : انه فقد الإحساس بالرجولة لأنه لم يفعل شيئا لحماية امرأة غريبة ولا حتى للدفاع عن زوجته وانه لا يستطيع ان ينظر في عيني لإحساسه بأنه خاف من البندقية والموت أكثر على ضياع شرفه ويتساءل لماذا أنقذني ويقول لك انه يريد التخلص مني لأنه لن يستطيع لمسي بعد الآن ولكن بأي حجة يكون الطلاق .
هذا يا سيدي سبب إرسالي هذا الخطاب إليك ولا اعرف إذا كان ستغضبه كتابتي إليك ام لا .. لكني أتساءل معه لماذا أنقذني ولم يدعني للموت نزفا بعد ان مت روحا من قبل , وأتساءل هل ما حدث كان عقابا لي على ذنب لا اعرفه ام عقابا لزوجي على شيء ارتكبه في شبابه وهل تعلم انني بدأت اشك في زوجي بل في ابي وفي احتمال ان يكون ما حدث لي عقابا من الله على شيء ارتكبه في حياته أحدهما , لان الله سبحانه وتعالى عادل ولا يعاقب أحدا بغير جريمة ام ترى انه ابتلاء من الله علينا ان نصبر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله . ان كان ابتلاء فاني صابرة لكني انتهيت ولولا الخوف من الله عز شانه لكان الانتحار .. ولكن ابعد الصبر نموت كافرين؟؟
أعود لاستكمال الرسالة ..
فلقد بكيت .. ولا اعرف هل كنت ابكي على شرفي ويالها من كلمة؟ أم ابكي على وليدي الذي ضاع مني في رحلة الهوان أم ابكي على زوجي الذي يقتله الهم والحزن كل يوم ام ابكي على طفلي الآخر الذي يفتقد ابتسامة الأب والأم ولم يعد يرانا إلا واجمين , أم ابكي على أحلامنا الضائعة في حياة سعيدة أم ابكي على حالي وحيرتي وأنا لا اعرف هل أطلب الانفصال .. وان فعلت فماذا عن ابني وأخوتي وكلام الناس .. وان لم افعل فكيف تستمر الحياة هكذا؟ انني لا اعرف ماذا سيقول زوجي بعد نشر خطابي بهذه الصراحة .. لكن عزائي أننا كنا عدة طبيبات لهن مثل ظروفي وممكن أن تتوه القصة بيني وبينهن وبين كثيرات غيرنا , وعزائي أيضا أني في حالة من الحزن واليأس لن تتحملها صحتي طويلا لهذا فقد كنت أريد زوجي لابني , وكان يراودني هذا الأمل انه يحبني و إلا لما أنقذني وأحضرني معه وقد كان في مقدوره ان يتركني أموت- كما فعل زميل له ترك زوجته رغم أنها تحملت وكانت في صحة معقولة وتركها لأنه لا يطيقها بعد ما حدث لها .. طبعا نذل (ولكن نعذره أيضا لأن عذره أكيد)..
وهذا ما يحيرني في زوجي فكيف أنقذني , وكيف يريد الآن التخلص مني , انني لست المشكلة , فانا قد انتهيت وضعت وما جري قد كان . 
لكن المشكلة هي زوجي , إني أريدك ان توجه له كلمات تحاول بها مسح جراحه و أن تقول له بأنه رجل كريم فاضل , ماذا كان يستطيع ان يفعل وزميله قد مات بجواره والرصاص في صدره , وإن ابنه يحتاج إليه أكثر مني , وشكرا لك على صبرك على قراءة قصتي التي أقول من كل قلبي ليتها كانت قصة قرأتها في كتاب أو شاهدتها في تمثيلية تليفزيونية ولم تكن قصة حقيقية أنا بطلتها وضحيتها ولا حول ولا قوة إلا بالله 

ولكاتب هذ الرساله اقول
هذه هي الرسالة المروعة التي تلقيتها وأقول بداية أنني لا أشك في صدق أي كلمة من كلماتها , لأنه يستحيل على أعتى خبراء الحرب النفسية ان يزيفوا رسالة مماثلة تصور مثل أحاسيسها التلقائية والمضطربة والتي تصل الى حد الهذيان في بعض المواقف , كما يستحيل على غير من عاش مثل هذه التجربة المروعة أن يحكي عنها بمثل هذه الصدق الإنساني المؤلم .
والحق انه ليس يعنيني هنا الجانب السياسي في الرسالة بقدر ما يعنيني مصير أسرة مصرية صغيرة سافرت الى بلد امن تحلم بحل مشاكلها الصغيرة فباءت بهذا الخسران الأليم , وأبدأ بكاتبة هذه الرسالة فأقول لها مباشرة: يا سيدتي الفاضلة لا يلام المرء على ما لم تجنه يداه , ولم تكن له حيلة في دفعه عن نفسه أو توقيه , وأنت قد تعرضت لعملية (سطو مسلح) على حرمة جسدك تحت تهديد السلاح , من الممكن ان تتعرض لها أي سيدة فضلى إذا وضعتها الأقدار في نفس الظروف الأليمة التي وجدت نفسك فيها , لهذا فإن ما جرى لك رغم بشاعته لم يكن عقابا إلهيا على جريمة ارتكبها أحد , لا أنت ولا زوجك ولا أبوك , وإنما هي الظروف القاسية التي اختارتك بالمصادفة لهذا الابتلاء الذي – توقيا لمثله – يبتهل المسلمون الى الله ألا يخترهم بما لا طاقة لهم به , ويدعو المسيحيون في صلاتهم (ولا تدخلنا في تجربة) , وليس من العدل أن تستسلمي لهذا الإحساس المرير (بالدونية) وبأنك قد انتهيت ولم تعودي جديرة بالحياة لولا خوفك من عقاب ربك , فشرفك مصون يا سيدتي ولم يمس لأن ما يؤخذ من الإنسان على رغمه لا يمس شرفه ولا ينتقص من فضائله , وعاره إنما على السارق الغاصب لا على المسروق ..
واستسلامك لهذا الإحساس المدمر يمكن أن يقودك الى الرغبة في تدمير الذات بغير أن تنتبهي الى أعراضها ويمكن أن يؤثر تأثيرا بالغ الضرر على شخصيتك ونفسيتك وحياتك .
والحق أنك في حاجة أنتي وزوجك الى علاج نفسي طويل لعلاج آثار هذا الحادث البشع على شخصيتيكما بغض النظر مؤقتا عن مستقبل علاقتكما الزوجية , فالمهمة العاجلة هي إنقاذ كل منكما على حدة من الانهيار النفسي والجسدي الذي يتهددكما إذا تجاهلتما حاجتكما الى هذا العلاج , وهو علاج معروف في دول الغرب التي تكثر فيها مثل هذه الحوادث , ويخصص لإزالة آثاره النفسية الضارة عمن يتعرضون له , لأن حرمة الجسد عندهم شيء مقدس , ولو نال شخص امرأة محترفة تبيع جسدها لراغبي المتعة بالثمن على غير رغبتها لهوت فوق رأسه مطاوق القانون القاسية , ولخضعت هي على الفور لهذا البرنامج العلاجي على نفقة الدولة رغم اختلاف مفاهيم الشرف بيننا وبينهم في هذا المجال .
فمرحى مرحى بما صنعه ((الأبطال المغاوير)) الذين نزلوا بحرمة أجساد الفضليات من بني جلدتهم الى ما دون مستوى حرمة أجساد بائعات الهوى في دول الغرب , لكن هذا حديث آخر لا أريد ان انجرف إليه , أو ابتعد عن مشكلتك الدامية .
يا سيدتي الفاضلة .. ان الخطوة الأولى في الطريق الصحيح لمحو آثار هذه المحنة ليست في تكتمها ومعاناتها أنت وزوجك وحدكما وإنما في التماس العلاج النفسي السليم لك ولزوجك أيضا .. و بطرح هذا الأمر بشجاعة على طبيب متخصص وليكن من مدينة أخرى إذا تحرجتما من مكاشفة أحد أطباء مدينتكما به , وبعد الشفاء من آثار المحنة اجلسا معا وناقشا الأمر معا بموضوعية وقررا مستقبلكما على ضوء تحليل هاديء للموقف وسوف تكتشفان معا انه لا ذنب لكما ولا جريرة فيما جرى وأنه ليس من الحكمة أن تضاعفا من خسائركما بما جرى بفقد كل منكما للآخر لمجرد ان كلبا متوحشا قد عقر زوجة فاضلة وعجز زوجها عن أن ينقذ لحمها من بين أنيابه .
أما زوجك العزيز فإني أقول له بكل صدق وربي على ما أقول شهيد : إنك رجل بحق ونبيل وكريم وشجاع حقا وصدقا , لكن ما حدث كان أكبر منك وأكبر من شجاعة أي إنسان يواجه مثل هذا الاختبار القاسي الذي واجهته , وإن لشجاعة الإنسان حدودا إذا تجاوزها اعتبرت خبالا وحمقا لا شجاعة وإن الخوف من الموت والمدفع إحساس إنساني طبيعي يستوي فيه الجميع , وعرفه أشجع الشجعان على مر التاريخ , وأنت بكل تأكيد أشجع من النذل الذي ارتكب جريمته في حماية عصبة من الرجال المدججين بالسلاح وأكثر رجولة ممن استباح لنفسه حرمات الآخرين تحت تهديد مدفعه الرشاش إذ لو كان بغير هذه الحماية لجبن عن الإقدام على ما فعل , أو لصارعته فإما صرعته وإما مت دون عرضك شهيدا , أما وقد كان مدججا بالسلاح ومحاطا بالأنذال من كل جانب فلم يكن لإقدامك على مواجهته سوى نتيجة واحدة هي ان تسقط قتيلا الى جوار زوجتك , وأن تلفظ زوجتك أنفاسها الأخيرة متأثرة بجرحها الدامي بغير أن تجد من ينقذها ويعيدها الى أرضها وأهلها وأن يضيع ابنك الصغير الى الأبد ولا يجد من يعيد به الى وطنه . لقد كان الموقف أكبر منك ومن زوجتك ومن كل إنسان يا صديقي , فلا تجلد نفسك بجريمة ارتكبها نذل لا يستحق صفة الإنسانية ويكفيك انك حاولت فلم تجد أي جدوى للمقامة ورأيت زميلا لك يسقط قتيلا الى جوارك ربما لأنه قد تحرك حركة غير مقصودة ارتعد لها الأوغاد الجبناء فعاجلوه بالرصاص وهذا هو الجبن الحقيقي الذي هو عار على صاحبه .. لأن استخدام السلاح ضد المدنيين العزل جبن وأي جبن وانتهاك حرمات الضعفاء كما كان يفعل التتار حين يقتحمون مدينة فيستبيحونها ثلاثة أيام يفعلون بها ما شاءت شياطينهم هو العار الحقيقي على من ارتكبوه وليس عارك الشخصي بأية حال من الأحوال , وأقولها لك صريحة انه لم يكن بمقدورك ولا بمقدور أي إنسان آخر يواجه ما واجهته أن يفعل غير ما فعلت ثم يعتصره الألم والقهر كما يعتصرك الآن بلا رحمة , وبلا ذنب لك فيما جرى , ولقد تصرفت بنبل وإحساس كامل بالمسئولية حين أنقذت زوجتك وأم طفليك من الموت وعدت بها في رحلة الآلام الى بلادك , فلماذا تحمل نفسك مالا طاقة لك به؟ ولماذا تضاعف من خسارتك لابنك الوليد بخسارتك لزوجتك الفضلى وأكررها للمرة الألف الفضلى بكل ما تعنيه حروف الكلمة , وبخسارتك لنفسك ولصحتك وسلامك النفسي الى الأبد .
يا صديقي الفاضل النبيل .. انك رجل مثقف وطبيب وتدرك أهمية حاجتك الى العلاج النفسي للتخلص من آثار هذه المحنة فلا تتردد في التماسه لزوجتك أولا ولك ثانيا , وكل ما أرجوه منك هو أن تؤجل اتخاذ القرار بشأن علاقتك بها الى ما بعد تجاوز آثار هذه المحنة وعلاجها .. وكلي ثقة بعد ذلك في أن قرارك حينئذ سوف يكون في صالح زوجتك , وفي صالح رجولتك التي لا شك فيها , وفي صالح النظر فيما جرى في إطاره الصحيح كحادث مؤلم اختارتكما الظروف ضحايا له , ولا لوم عليكما فيه .. وإنما اللوم على البغاة الظالمين .. وليس من الحكمة أن نعاقب أنفسنا بما فعله الظالمون بنا .. وإنما العدل أن نضيف ما جرى لنا الى قائمة جرائمهم التي لابد أن يأتي يوم قريب يحاسبون فيه عليها ويدفعون فيه ثمن جرائمهم غاليا ألا لعنة الله على الظالمين في كل زمان ومكان . 
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;