السبت، 21 أبريل 2012

رسالة (القطرة الزائدة) باختصار احلت حيات زوجي الى جحيم


أنا سيدة في الأربعين من العمر نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وسبعة من الأبناء، وقد رحلت أمي عن الحياة وأنا في طفولتي، فلم يصبر والدي على وحدته طويلا وسارع بالزواج من أخرى، وانفرد معها بإحدى غرفتي الشقة الصغيرة التي نقيم فيها وتكدسنا نحن الأبناء السبعة في الغرفة الثانية، ولم تلبث الحياة ان كشرت لنا عن أنيابها وبدأ الصراع بيننا وبين زوجة الأب ووالدنا الذي انصرف عنا وعن كل شىء الى زوجته، مما أدى الى فشل معظم اخوتي في الدراسة، أما أنا فلقد مضيت في الاستمساك بفرصتي في التعليم ودبرت أمري بحيث أواصل الدراسة مهما تكن الظروف قاسية
حتى التحقت بكلية التجارة، وبدأت أرى زميلاتي يرتدين أحدث الملابس.. وأدخل بيوتهن فأرى التليفزيون الملون والمياه الساخنة وأشكالا جديدة للحياة لا أعرفها، وتوثقت العلاقة بيني وبين زميلة لي يعمل والدها بأحد البنوك، فكنت أتردد عليها كثيرا وأقضي معها معظم اليوم ولا أذهب الى البيت الا في المساء لكي أنام، وتخرجت في الكلية فألحت علي صديقتي هذه أن ترجو والدها في أن يتيح لي فرصة التدريب في البنك معها.. وتم ذلك بالفعل وتدربت بالبنك خلال عام الخدمة العامة وانتظرت أول الشهر بفارغ الصبر لكي أقبض أول مكافأة أكسبها في حياتي وكانت خمسين جنيها، وبعد عامين عينت في نفس البنك بمساعدة والدة صديقتي وتم توزيعي على أحد الأقسام فوجدت رئيسه شاباً يكبرني بنحو عشر سنوات ووسيما وأنيقا وخدوما ويحسن معاملة الآخرين.. ووجدت معظم فتيات القسم معجبات به ويتمنينه لأنفسهن، فأدركت أنه حلم صعب المنال بالنسبة لي، لكني لم أتوقف عن الأمل فيه الى أن جاء يوم سمعته فيه يتحدث الى صديق له في التليفون ويضرب له موعدا للقاء في الثالثة بعد ظهر اليوم التالي، أمام البوابة الرئيسية لمعرض القاهرة الدولي، وعلى الفور حزمت أمري وقررت ان أذهب للمعرض في نفس هذا الموعد وألتقى به، كما لو كان لقاء بالمصادفة.. وذهبت الى هناك بالفعل ورأيته وعبرت الطريق أمامه كأنني لا أراه وناداني محييا فاصطنعت الدهشة لهذه المصادفة السعيدة وقلت له انني كنت على موعد مع صديقة لزيارة المعرض لكنها لم تحضر، فتعجب للمصادفة لأنه كذلك كان على موعد مع صديق لنفس الغرض وتخلف ايضا عن الحضور، وسألني عما اذا كنت أحب مشاهدة المعرض معه فرحبت بذلك، ودخلنا معا وأمضينا عدة ساعات معا، وتواعدنا على اللقاء في الموعد نفسه غداً لاستكمال الفرجة. وقام بتوصيلي الى مسكني بسيارته.. وفي اليوم التالي أمضيت معه يوما سعيداً آخر ووجدته انساناً كريما وودوداً، وفي نهاية اليوم سألني وهو يوصلني الى منزلي عما اذا كنت اقبل به زوجا لي .. فغلبتني دموعي وراح هو يحنو علي .. ويخفف عني وفاتحت أبي برغبة رئيسي في التقدم الى فرحب بذلك لكي يخلو له المسكن مع زوجته، وجاء رئيسي مع أخته وأخيه والتقوا بوالدي، وصارحه أبي بأننا لا نملك شيئا وأنه اذا أراد أن يتزوجني فعليه ان يتكفل بكل شىء دون أي مساعدة منه، وقبل ذلك، ولم تمض أسابيع حتى كان قد عقد القران، وبعد شهور قليلة تم الزواج وانتقلت الى شقة زوجي الجميلة المؤثثة بكل الكماليات.. وأجهزة التكييف والاجهزة الكهربائية الحديثة، وتحقق الحلم الجميل الذي لم أتصور إمكان تحقيقه، واصبحنا نذهب الى العمل ونرجع منه معا.. وافتتحت لنفسي بعد الزواج دفتر توفير في البنك اصبحت أضع فيه مرتبي أو معظمه كل شهر لأن زوجي الكريم أبى على أن أنفق منه شيئا على حياتنا، وحملت وأنجبت طفلة جميلة وبعد انتهاء اجازة الوضع وجدت أنني احتاج للتفرغ لبيتي وأسرتي فحصلت على أجازة بدون مرتب وحملت مرة اخرى ثم ثالثة واصبح لدينا ولدان وبنت، ومضت الأيام جميلة وبهيجة، فحتى الخلافات البسيطة التي تحدث بين الزوجين كانت سرعان ما تزول، وتقدم زوجي في عمله واطرد نجاحه وازداد دخله.. ووجدت أنني لن أستطيع العودة للعمل فتقدمت باستقالتي الى البنك لكي أتفرغ لأسرتي، وحصلت على مبلغ لا بأس به كمكافأة أودعته دفتر التوفير بناء على نصيحة زوجي، وواصلت الحياة طريقها وزوجي يضعنا في بؤرة اهتمامه.. ولا يعكر علينا صفو الحياة شىء سوى أنني قد أصبحت مع الأيام وأعباء الأبناء والبيت عصبية مع زوجي لأقصى الحدود، وأثور عليه لأتفه الأسباب، وهو يهدىء روعي ويستحلفني ألا تحدث أية مشادة بيننا أمام الأبناء لكيلا تتأثر نفسياتهم، وفي هذه الفترة كان زوجي قد دخل في بعض المشروعات التجارية مع بعض أصدقائه وبدأت مشروعاته في النمو، وأصبحت تدر علينا دخلا كبيراً.. وحاول زوجي ان يحصل على اجازة بدون مرتب لكي يخصص وقتا أكبر لأعماله التجارية فلم يوفق في ذلك، ولم يجد مفراً من الاستقالة من البنك والتفرغ لأعماله الخاصة.
ثم اضطربت فجأة حياة زوجي العملية حين استولى أحد شركائه على قيمة أحد الشيكات وفر بها. فتأثرت الأعمال التجارية.. واضطربت الأحوال ووصل الأمر الى ساحة القضاء، لكن زوجي لم ييأس والتحق بالعمل بأكثر من شركة تجارية، فلم يكن العمل يطول في كل منها أكثر من 5 أو 7 أشهر، ثم يعود الى البيت..
وفي هذه الأثناء زادت عصبيتي معه بشكل رهيب.. وأصبحت اشتبك معه في مناقشات عنيفة تستغرق الليل بأكمله وتستمر حتى الصباح، وهو يرجوني أن أخفض صوتي لكيلا يسمع الأبناء بلا طائل، وحتى أنه كان في بعض الليالي يترك البيت ويركب سيارته ويظل يطوف بها في الشوارع حتى يطلع النهار ويذهب الأولاد للمدرسة فيرجع مهدودا لينام، وما أن أشعر بوجوده حتى أنهض من نومي لأستأنف معه النقاش! وغضبت من زوجي وهجرته الى بيت أبي وشكوت اليه حالي فقال لي انه لا دخل له بحياة زوجي ومن حقه ان يدبر أموره كيف يشاء ما دام لا يقصر في شىء مع أبنائه، ورحل أبي فجأة عن الحياة وأنا مقيمة لديه، وبعد وفاته أبلغتنا زوجته أنه قد كتب لها الشقة منذ ثلاث سنوات، وحضرت الينا في نفس اليوم سيدة اخرى معها طفل قالت لنا انها هي الأخرى زوجته وهذا الطفل ابنه!
وهكذا وجدت الدنيا تنهار من حولي ولم يعد لي مكان في بيت الأسرة فرجعت الى منزلي ومعي الأبناء وانقطعت صلتي بالمكان الذي نشأت فيه، وبعد وفاة أبي بدأ أخي الأكبر الذي لم يكن يزورني كثيرا من قبل في زيارتي والاهتمام بأمري، خاصة انه كان قد استقرت حياته وافتتح لنفسه مشروعاً صناعيا بإحدى المدن الجديدة.. وبدأت أنا اعتمد عليه كأخ أكبر وأحكي له كل كبيرة وصغيرة في حياتي.. واصبحت استجيب لكل ما ينصحني به حتى انني هجرت غرفة نومي واصبحت أنام في حجرة الابناء على نصيحته، لكي استحث زوجي على أن يجد حلا لمشكلاته.
وذات مساء جاءني زوجي بعد نوم الأبناء.. وقال لي ان معه شيكا يستحق الصرف بعد 20 يوما، وطلب مني ان اعطيه اي مبلغ لكي ينفق منه على البيت الى ان يحل موعد الشيك فيعيده اليّ، فنهرته وانطلقت اجرحه بشكل غير طبيعي وهو صامت لا ينطق حتى استيقظ الأبناء من نومهم على صوتي واندفعوا يبكون فأدخلهم حجرتهم، وأنا أشعر بسعادة شديدة لأن الأبناء قد تصوروا ان اباهم يعتدي علي بالضرب ومضت الأيام بحلوها ومرها وزوجي يحاول جاهدا الاصلاح ونصائح اخي لي تنسف جهوده اولا بأول.. وكلما شعرت ان مع زوجي مبلغا من المال اخبرته انني مريضة وفي حاجة الى استشارة طبيب واجراء تحاليل، فلا يملك إلا القبول لأنه يعرف ان المرض معناه ان تحدث مشادة عنيفة بيننا امام الابناء وهو لا يريد ذلك، وباختصار يا سيدي فقد احلت حياته الى جحيم واعترف لك بذلك واعتاد الجيران سماع صوتي العالي وهو يسب بأقذع كلمات السباب، وهو يتحمل صابرا ويستحلفني بالله ان ادعه يعيش في امان لكي يستطيع تدبير رزقه ورزق اولاده، وانا اشعر كأنني قد ركبت قطارا انطلق بأقصى سرعته، ولم اعد استطيع ايقافه. وفي الصيف الماضي وجدته ذات يوم يعد حقيبة سفر صغيرة وسألته عما يفعل فأجابني بأنه سيسافر الى بورسعيد لقضاء بعض الاعمال التجارية وسافر، وفي اليوم التالي تلقيت منه ورقة الطلاق، وجاء معها المحامي الذي يتعامل معه زوجي ورجال من قسم الشرطة لكي اتسلم منقولاتي ومؤخر الصداق، واسرعت اتصل بأخي فحضر ليشاركني هذا الموقف العصيب، وبعد مداولات انتهينا الى ان آخذ معي الأولاد بناء على طلبي بالرغم من انتهاء حضانتي لهم ومقابل ان اتكفل انا بنفقاتهم وألا أطالب مطلقي بشيء، وتم انزال الأثاث الى الشارع وجاءت سيارة نقل فحملته مع الابناء.. والجيران ينظرون الينا من الشرفات في صمت، وذهبت الى مسكن اخي، لكن اقامتي لديه لم تطل كثيرا لأنني احسست انني لو بقيت معه فترة اطول فسوف يخسر زوجته، وبمساعدته عثرت على شقة سطح صغيرة من غرفة وصالة، وانتقلنا اليها في حين تكوم معظم الاثاث في مخزن يملكه صديق اخي، ودخلنا الشقة الجديدة والأبناء يتلفتون حولهم في ذهول وانا مثلهم، ومضت الأيام وأنا اتحمل مسؤولية الانفاق على الأبناء من مدخراتي، وبعد بضعة اشهر خرجت ابنتي الكبرى في الصباح الباكر دون ان تصارحني بوجهتها، وانقضى النهار بغير ان تعود، وعند الغروب استدعاني الجيران لأرد على مكالمة تليفونية فوجدتها منها ووجدتها تبلغني بأنها لدى والدها وستقضي الليلة معه وعلينا ان نقابلهما امام حديقة الحيوان في صباح اليوم التالي، وذهبنا كلنا في الموعد، وبعد قليل حضر زوجي السابق بسيارته ومعه ابنتي واندفع اليه الولدان في شوق وفرح ورأيته يحتضنهما ويقبلهما والدموع تملأ عينيه، ثم اعطى كل ولد مظروفا به الف وخمسمائة جنيه ولابنتي مظروفا مماثلا، وودع الأبناء وانصرف مسرعا بسيارته وأنا واقفة فوق الرصيف لا اتحرك ولم يصافحني ووجدت ابنتي تحمل حقيبة كبيرة عرفت انها تحوي ملابس جديدة لها اشتراها ابوها لها ولأخويها وملابس للمدارس، ومنذ هذا اليوم حدث تحول غريب للأبناء تجاه والدهم وبدأوا يهاجمونني ويتهمونني بأنني السبب في حرمانهم من ابيهم، وخاصة ابنتي الكبرى التي اصبحت تذهب الى والدها كثيرا وتبقى عنده بالأيام، كما ان ابني الصغير الذي يحب اباه بجنون ذهب اليه وقضى معه شهرا كاملا لم اره خلاله، وانا الآن في موقف غريب، اعرف انني اخطأت في حق زوجي السابق كثيرا وأهنته كثيرا وحطمت بيتا كان من الممكن ان يكون من اسعد البيوت، واعرف ايضا انه يقرأ لك بانتظام، فهل يمكن ان توجه اليه كلمة لكي يعيد اجتماع الشمل مرة اخرى، وانا على استعداد لأن اقبل الأرض التي يسير عليها من اجل الابناء الذين اصبحت حياتهم صعبة خاصة وانني اشعر انهم سوف يذهبون الى أبيهم الواحد بعد الآخر ذات يوم وأبقى أنا وحيدة؟.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
 قد تكون رسالتك هذه فرصة لا بأس بها لفهم سر اقدام احد شريكي الحياة على اتخاذ خطوة مصيرية غير متوقعة على خلاف ما كان يبدو عليه من استسلام ظاهري لظروفه.. وقبول للشرب على القذى على مدى سنوات طويلة، حتى ظن به الطرف الآخر انه لا يجرؤ على الاعتراض، ناهيك عن التغيير!.
ان النفس البشرية كالكأس التي تفيض فجأة اذا تلقت قطرة زائدة واحدة على قدرتها النهائية على الاستيعاب. وبعض شركاء الحياة يتغافلون عن ادراك ان كأس الشريك قد امتلأت ولم يعد بها متسع للمزيد، وبدلا من ان يحاولوا افراغها من مخزونها القديم من المرارات اولابأول، بالاعتذار ومحو الاساءة.. وحسن العشرة والحب والعطاء وإثبات حسن النية، يواصلون اضافة المزيد والمزيد الى ان تجيء اللحظة الحاسمة وتفيض الكأس بما فيها ويتعذر الاصلاح، ويفاجأ احد الطرفين بالآخر وقد انتفض كالمارد بغير سابق انذار وسد كل ابواب التفاهم، وأصر على الانفصال مهما تكن التبعات.
والحق ان اكثر ما يعين على إفراغ هذه الكأس قبل ان تفيض بما فيها، هو ان يكون الخطأ عابرا وليس متعمدا، او ان يعتذر عنه مرتكبه ويسترضي الشريك نفسه حتى تخلو من الموجدة او ان يحرص على مودة صاحبه حتى لينسيه بعد قليل الاساءة السابقة او ان يقف الى جواره في المحن والشدائد فتجب فضائله الأساسية عثراته الهينة، او ان تكثر محاسنه فتمحو تلقائيا سيئاته على نحو ما عبر عنه المتنبي بقوله:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا
فأفعاله اللائي سررن ألوف

وقبل ذلك ألا يسبب الخطأ المرتكب في حق الشريك جرحا غائرا لكرامته الانسانية، وألا يشعره بالهوان على صاحبه، ولا بالجحود ونكران الجميل، فإذا كان من ذلك النوع احتاج من مرتكبه الى ما هو اكثر من الاعتذار والاسترضاء البسيط، وتطلب التكفير وصدق الندم، والوعد المقنع بعدم العودة اليه مرة واحدة، وفي ظني انك قد تغافلت عن حقائق عديدة في علاقتك بزوجك السابق، ولم تحترزي في تعاملك معه في السنوات الأخيرة.
فاعتمدت اعتمادا خاطئا على روح المسالمة التي يتعامل بها مع اساءاتك اليه، وخوفه الدائم من اطلاع الابناء على خلافاتكما، فتماديت برعونة في الاساءة اليه والاستهانة بأمره، وحولت حياته كما تقولين إلى جحيم، ومحاكم تفتيش تتواصل طوال الليل حتى ليفر منها ويهيم على وجهه في الشارع إلى أن يطلع الصباح حتى يذهب الأبناء إلى المدرسة ويطمئن إلى أنهم لن يشهدوا هوانه ومذلته مع زوجته.
ومن أسف إنك لم تفعلي ذلك لأنه كان يسيء عشرتك أو يخون عهد الوفاء معك أو ينصرف عنك وعن أبنائه إلى زوجة أخرى أو يطلق العنان لأهوائه وينغمس في اللهو والعبث والفجور بما يؤثر على سمعة الأسرة والأبناء.. وإنما استبحت كرامته وكبرياءه لسبب لا يشرف أية زوجة حريصة على حياتها الزوجية وأمان أبنائها.. وهو تغير أحواله المادية لأسباب لا حيلة له فيها.. وتعثر خطواته و ضعفه أمامك، بعد أن كان الحلم صعب المنال الذي تتنافس فتيات البنك على الفوز به.. وتخططين أنت لاقتناصه لكي ينتشلك من ظروفك القاسية قبل الزواج، وبدلاً من أن تواسيه بمالك حين تغيرت أحواله وتعينيه على أمره حتى يستعيد ما فقده ويقف على قدميه من جديد تحولت إلى زوجة عدوانية معه وتوحشت في إساءة معاملته، بالرغم من اجتهاده لإضائك وتلبية متطلبات حياة الأسرة بقدر الإمكان، وبالرغم من إقرار والدك كذلك بأنه لا يقصر بالرغم من ظروفه في تلبية مطالب الأبناء.
ولا تفسير لذلك لدي سوى أنك لم تعرفي الحب الحقيقي لهذا الرجل في أية مرحلة من مراحل علاقتك به، وأن سعيك للفوز به دون الأخريات لم يكن استجابة لنداء القلب المتطلع للسعادة بقدر ما كان أملاً عملياً في التخلص من ظروفك القاسية والفوز بالحياة الكريمة والأمان المادي.. أي أنه كان تطلعاً إلى حياة أفضل وانسلاخاً من واقع اجتماعي مؤلم.. وليس في ذلك خطأ في حد ذاته لأنه حلم مشروع لكل إنسان، لكن الخطأ قد بدأ حين اعتبرت تغير أحواله المادية وكأنه إخلال من جانبه بشروط المشروع المادي الذي شغلت به عند التطلع للارتباط بهذا الرجل، وتعاملت معه وكأنه جان ارتكب في حقك خطيئة عظمى لابد من عقابه عليها لتعسره المادي وضياع ماله!
وليس هكذا تفعل الزوجة المحبة التي ترتبط مع زوجها بوحدة المصير في السراء والضراء وفي الصحة والمرض وفي الفقر والغنى.
ولا عجب إذن في أن ينتهي بك السعي إلى حيث بدأت خطواتك للارتقاء الاجتماعي، فترجعين إلى ما يشبه المسكن القديم الذي كان يتكدس في إحدى غرفه سبعة من الاخوة، لأن الشكر هو الحفاظ للنعم.. وليس التمرد والجحود والانقلاب على الشريك حين تتغير أحواله المادية ولأنه كما ينبئنا الحديث الشريف: التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة والفرقة عذاب صدق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
ولم يكن من شكر النعم أن تقلبي لزوجك ظهر المجن لمجرد أنه فقد ماله.. أو اضطربت أحواله التجارية.
والآن فإنك تقولين إنك تعرفين إنك قد أخطأت في حق زوجك كثيراً وأهنته كثيراً، وتأملين في إعادة جمع الشمل معه.. وهذا أمل مشروع لك لاشك في ذلك.. لكنك لا تبررينه بأنك قد أدركت هول أخطائك وندمت عليها ندماً شديداً وأدركت كم كنت متحجرة المشاعر.. صخرية القلب حين كفرت بعشرة زوجك الذي يتحمل منك الأذى صابراً ولا يرد عليك الإساءة إلا بالرجاء المتوسل إليك بخفض صوتك لكيلا يسمعك الأبناء، وصح عزمك على أن تعوضي زوجك على كل ما عاناه معك.. وتغيرت بالفعل أفكارك وشخصيتك إلى الأفضل، وترغبين في استعادة ابنائك لحياتهم العائلية المستقرة وإنما تبررين رغبتك في العودة بمبرر يعد استطراداً للتفكير المنحصر في الذات.. وهو أن الأبناء قد بدأوا يتجهون إلى أبيهم ويعرفون له فضله ويتعاطفون معه.. ويتهمونك بالمسؤولية عن حرمانهم من حياتهم العائلية ولن يمضي وقت طويل حتى يتسربوا واحداً بعد الآخر عائدين إلى أحضان أبيهم وتاركين إياك للوحدة وسوء المصير!
ولست أحسب أن هذا المنطلق الذاتي سوف يفيد شيئاً في اقناع زوجك السابق بأنك قد أدركت بالفعل حقيقة ما ارتكبت من أخطاء جسيمة في حقه وحق أبنائك، بل وحق نفسك، ولن يغريه بالأمل في أن يتعامل مع متغيرات إيجابية في شخصيتك في حالة العودة إليك، وإنما يفيد حقاً ألا نكتفي بمجرد الإقرار، وإنما نضيف إليه صدق الندم وإبراء الذمة من حقوق من أخطأنا في حقهم.. والاعتذار الكافي لهم، وأن نواصل الجهد المخلص الدؤوب للتفكير عن خطايانا في حقهم واسترضائهم إلى أن يعفوا ويصفحوا ويقتنعوا بأننا قد تغيرنا بالفعل إلى الأفضل.
ومن أقوال السيد المسيح عليه السلام: من يهلك نفسه من أجلي يجدني.
وكذلك الحال أيضاً مع أهدافنا في السعادة والأمان، فإننا لانحققها بمجرد التمني أو الرغبة فيها، وإنما نحققها بالجهد والعرق والصبر على المكاره.. لكي نجدها في نهاية المشوار.
فابذلي كل ذلك في سعيك لاستعادة السعادة والأمان في حياتك، وحاولي اقناع زوجك السابق إنك لا تسعين للعودة إليه لأن ظروفه المالية قد بدأت في التحسن كما هو واضح من نهوضه لتحمل مسؤوليته المادية عن أبنائه بالرغم من اتفاقه معك على استمرار حضانتك لهم مقابل الإنفاق عليهم، وإنما لأنك قد أدركت ما كان قد فات عليك من حقائق الحياة وعرفت له بالفعل فضله وقدره وحسن عشرته لك.
وحبذا لو قدمت له أي دليل مادي لاثبات ذلك حتى ولو كان رمزياً لإشعاره بتغيرك وتغير أفكارك المادية السابقة!

انشر
-

هناك تعليق واحد:

  1. لقد كفرتي بالنعمة و الحلم الذي لم تكوني تستحقين العيش فيه هنيئا لكي ما تتجرعين من ندم جزاء وفاقا

    ردحذف

;