الجمعة، 4 مايو 2012

رسالة (الحب القاتل)..ومن الحب ما قتل..

أنا شاب عمري‏27‏ سنة‏,‏ تزوجت قبل ستة أشهر بعد قصة حب واجهنا خلالها صعابا عديدة‏,‏ لكننا صمدنا أمامها ثم تخطيناها ونحن نتطلع إلي أن يكون لنا عشنا الهادئ الذي يجمعنا علي الحب والتفاهم بعيدا عن صخب الحياة وضجيجها‏. 
‏وعشنا فترة خطبة رائعة‏, وتفاني كل منا في إظهار انه يحب الآخر أكثر منه‏,‏ وعبرنا عن حبنا بطرق جميلة ربما لا تخطر علي بال الكثيرين‏,‏ من إهداء الورد‏,‏ وتبادل الكتب وغير ذلك من المعاني الجميلة‏.‏


وكانت زوجتي تقيم في إحدي محافظات الدلتا البعيدة عن محافظتي‏,‏ لكن ذلك لم يمنع اتصالاتنا المستمرة‏,‏ واتفقنا علي كل التفاصيل الدقيقة لحياتنا بعد الزواج واستمرت الخطبة عشرة أشهر ثم عقدنا القران واقمنا حفل زفاف جميلا جمع الأهل والأصدقاء‏..‏ وانتقلنا إلي عش الزوجية‏..‏
ومرت الأيام الأولي سريعا‏,‏ ثم لاحظت أن زوجتي تحاول أن تتملكني بشكل مبالغ فيه‏,‏ فلقد الحت علي كثيرا أن اقطع علاقتي بأصدقائي وأقاربي‏,‏ بل وأبي وأمي وأخوتي‏,‏ فهي تريدني لها وحدها وتذكرت يوم زفافنا عندما تعمدت أن تفتعل مشكلة مع أصدقائنا‏,‏ لكي تطلب مني مقاطعتهم‏..‏ ثم في اليوم التالي للزفاف قابلت أقاربي بجفاء شديد بحجة أنها تعبانة ثم بدأت تحجبني عنهم شيئا فشيئا‏!.‏
وفهم أبواي ما ترمي إليه زوجتي‏,‏ لكنهما كظما غيظهما‏..‏ ثم لاحظت عليهما علامات الضيق والتبرم‏,‏ ولم أتوقف كثيرا عند هذه النقطة ظنا مني أنها سوف تتغير مع الأيام‏,‏ وبعد أربعة أشهر ضاع من زوجتي أحد أغراضها الشخصية‏,‏ وكنت أعلم مكانه لكني لم أخبرها لكي أعرف كيف ستتصرف‏,‏ وبدت عليها علامات الحزن والضيق‏,‏ وفتشت كل مكان في البيت أملا في العثور علي ما تبحث عنه دون جدوي‏!.‏
وفي اليوم التالي ذهبت إلي السوق لشراء بعض متطلبات المنزل من خضراوات وفواكه‏,‏ فانتهزت الفرصة وفتحت إحدي حقائبها فوجدت بها شيئا شبيها لما تبحث عنه‏..‏ وهذا الشيء مشبوك في دبوس بمكان لا يخطر علي بال أحد‏,‏ وفككت الدبوس‏,‏ وأخذت هذا الشيء وتفحصته فوجدته عبارة عن كيس من القماش مخيط من جميع الجهات‏,‏ فأخفيته دون أن أعلق عليه معها بعد عودتها إلي المنزل‏,‏ وفاتحتني في أنها مشتاقة لزيارة والدتها‏..‏ وأنها تريد أن تمضي معها يوما كاملا فوافقت علي طلبها‏,‏ وبت تلك الليلة وحيدا‏,‏ ووجدتها فرصة لكي اعرف حكاية الأكياس الموجودة في ملابسها ففتشت في أرجاء البيت لعلني أجد شيئا آخر‏,‏ وهالني عدد الأكياس التي وجدتها مزروعة ومحشورة في كل مكان حتي في ملابسي الداخلية‏,‏ فجمعتها وأخذتها إلي والدتي ورويت لها القصة كاملة‏,‏ ثم فتحت الأكياس واحدا بعد الآخر فإذا بي أجد أوراقا بها طلاسم‏,‏ وبعض أظافري وشعري‏,‏ ومواد أخري لا أعرف لها اسما‏!.‏
إنها أعمال سحرية لجأت إليها زوجتي لكي تجعلني أسيرا لها‏..‏ وكدت أفقد صوابي‏,‏ ووجدتني اتصل بها وأطلب منها أن تعود إلي المنزل فورا فجاءتني مسرعة وسألتني عما حدث‏!‏ فوضعت أمامها الأكياس‏,‏ فأنكرت معرفتها بها‏,‏ وعندما ضغطت عليها‏,‏ إنهارت واعترفت بأنها فعلت ذلك لأنها تحبني وتخشي أن تفقدني‏,‏ فثرت ثورة عارمة وألقيت عليها يمين الطلاق‏.‏
وإذا بأمي تبكي بكاء حارا ورجتني أن أغفر لها خطأها فأخبرتها بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم من أتي كاهنا أو عرافا فقد كفر بما أنزل علي محمد‏,‏ فراحت تقول لي انه خطأ بسيط لا يستحق كل ما حدث‏,‏ لكني رفضت إعادتها‏..‏ واذا بزوجتي تقول لوالدتي وهي شبه محطمة وقد بدا الذبول علي وجهها أنها لن تعود إلي بيت أبيها لأن أهلها سوف يذبحونها لو علموا أنها لجأت إلي الدجالين‏,‏ فهم ملتزمون دينيا ولا يرضون أبدا بمثل هذه الأعمال السحرية التي تعترف بأنها أخطأت فيها‏.‏
وهنا وجدت أمي وبهدوئها المعهود تتمالك نفسها وتهدئ من روعها‏,‏ ووعدتها بأنها ستعيد المياه إلي مجاريها دون أن يعلم أحد بهذه الواقعة‏,‏ وأخبرت أبي وأقاربي بحكاية زوجتي‏,‏ والتقينا جميعا بعد ساعات وتحت الإلحاح من أهلي الذين كانت زوجتي تبعدني عنهم أعدتها إلي عصمتي خصوصا بعد أن قالت انها حامل‏,‏ فخشيت أن يولد ابني مشتتا بيننا‏,‏ كما أري في حالات الطلاق التي صارت بالملايين حيث يتشرد الأبناء ويصبح كل منهم في واد‏..‏ أما الأب فيتزوج من أخري‏,‏ وكذلك الأم تتزوج من آخر‏.‏
ودار في ذهني شريط طويل من التخيلات التي يمكن أن تحدث لابني المنتظر‏,‏ وأصدقك القول انني لم أرتح لإعادتها إلي عصمتي‏..‏ وفور انصراف الجميع أشرت عليها بأن يقيم كل منا في غرفة بمفرده لأنني لم أعد أطيقها‏,‏ فعاودت هي البكاء من جديد‏,‏ أما أنا فقد دخلت إحدي الغرف وأغلقت الباب علي نفسي وتركت لها غرفة النوم الخاصة بنا‏,‏ فنادت علي بصوت عال ثم صرخت صرخة مدوية‏,‏ فخفق قلبي بشدة‏,‏ ووجدتني أسرع إليها فإذا بها قد سقطت علي الأرض وتفوح من فمها رائحة نفاذة وقالت لي سيبني أموت في حضنك‏,‏ فحملتها مسرعا إلي المستشفي القريب من منزلي‏,‏ وهناك حولوني إلي مركز السموم الذي أفادني أطباؤه بأن زوجتي تناولت سائلا كيماويا يستخدم في التنظيف‏!!‏ وسارعوا بعمل غسيل معوي لها‏,‏ وأنقذوها في اللحظات الأخيرة‏,‏ أما ابني الذي كانت حاملا فيه فلقد ودع الحياة قبل أن يولد‏!!.‏
وظللنا عدة أيام في المستشفي وأنا أدعو الله لها بالشفاء‏,‏ لكني عزمت علي أن أطلقها ولا أعود إليها مرة أخري فحبها القاتل يمكن أن يؤذيني‏..‏ كما أن من لجأت إلي الدجالين‏,‏ وحاولت الانتحار يمكن أن ترتكب أي جريمة أخري‏..‏ وذهبت إلي أهلها وقصصت عليهم ما فعلته فأقروا بأنني علي حق في موقفي فألقيت عليها يمين الطلاق للمرة الثانية‏,‏ وعادت إلي بيت أهلها‏,‏ ومر حتي الآن شهران كاملان ومازالت تتصل بي وترجوني أن أعيدها إلي عصمتي من جديد‏.‏
لقد كرهت كل شيء يا سيدي‏,‏ وأصبحت غير واثق في نفسي‏,‏ فهل أنا مخطئ وهل من الممكن أن تستقيم حياتنا معا بعد كل ما حدث؟‏!.‏
*‏ لا أنصحك بالتسليم بما حدث‏,‏ وانما أري أن بإمكانك رأب الصدع وترميم الشروخ التي أصابت حياتك‏,‏ فإذا كانت زوجتك قد تصرفت بشكل أهوج‏,‏ ولم تحكم عقلها ومالت الي عواطفها وفعلت ما فعلت سواء بالأحجبة التي صنعها لها الدجالون‏,‏ أو بالاقدام علي الانتحار لانك هددتها بالانفصال عنها‏..‏ أقول اذا كانت قد تصرفت بهذا المنهج الخطأ فإنها لجأت اليه من باب تمسكها بك والخوف من أن تفقدك في أي لحظة‏!‏
والواضح انها مازالت أسيرة أفكار البعض الذين يرون ان الزوجة لابد ان تحكم حصارها علي زوجها لكي لا ينظر إلي أحد غيرها‏,‏ ومثل هذا التفكير السطحي ينبغي ان نقابله بمزيد من الوعي‏,‏ وأن نضعه في حجمه الصحيح‏,‏ ونحاول تقويمه في الاتجاه السليم‏,‏ لا أن نصدر حكما علي صاحبته بالإعدام‏,‏ ونطلق الرصاص علي أسرة رائعة جمعها الود والتفاهم‏.‏
أين ذهبت قصة الحب العنيفة التي عشتها مع خطيبتك؟ وأين البيت الهادئ الذي تعاهدتما علي بنائه‏,‏ وهل تبخر الحلم لمجرد انك وجدت مجموعة أحجبة ناتجة عن تفكير قاصر من جانب من أحبتك وسعت للارتباط بك‏,‏ وهو تفكير من الممكن العدول عنه؟‏!‏
انني لا أؤيد اللجوء الي مثل هذه الخزعبلات حتي وإن أتت مفعولها لدي الزوج أو الحبيب‏,‏ صحيح ان السحر موجود ولا أحد ينكره‏,‏ لكن علينا ان نتصدي له‏,‏ ولا نترك له مكانا في حياتنا‏,‏ وليكن ذلك بقليل من التروي والحكمة‏.‏
إن حياتك ياسيدي من صنع أفكارك وينبغي ان ترتبها بحيث تصب في مصلحتك ولا تجعلها تسيطر عليك‏,‏ فتتحول الي هواجس تدفعك الي حافة الهاوية وعليك ان تعيد دراسة كل ما طرأ علي حياتك من تغيرات منذ اكتشافك أكياس الطلاسم‏!‏
أما زوجتك وهي مازالت في فترة العدة‏,‏ فإنني أنصحها بأن تطرد الأفكار المسيطرة عليها والتي ربما ترجع الي نشأتها الريفية وتأثرها ببعض العادات والتقاليد المتوارثة في بعض المناطق الشعبية‏,‏ وربما تكون والدتها هي التي دفعتها اليها اعتقادا منها انها سوف تكون سببا في إسعادها‏,‏ واقول لها انت شابة متعلمة ولا يعقل لمن هي في مثل وضعك أن تترك الحبل علي الغارب لأفكار خاطئة‏,‏ فالبيوت المستقرة لا تبنيها الأوهام والأحجية ولكن يبنيها الحب والإخلاص والتعاون والايثار‏,‏ فانبذي من حياتك تلك الأفكار الهدامة‏.‏
وأنتما معا مطالبان بضبط النفس‏,‏ والبعد عن التصرفات الهوجاء‏,‏ وأن يغفر كل منكما للآخر خطاياه‏,‏ وان تعيدا بناء ما تهدم من حياتكما فليس من العار أن يسقط المرء‏,‏ ولكن العار ألا يستطيع النهوض من الكبوة التي ألمت به‏,‏ فاستعيدا حبكما وواصلا رحلتكما في هدوء وأمان بعيدا عن السحر والشعوذة‏.
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;