الخميس، 10 مايو 2012

رسالة (الثمن الغالي).وعرفت أنني قد ظلمته ظلما بينا


أريد أن أعترف  لك بإثم ارتكبته لكي أخلص ضميري من عبئه‏..‏ وإن كنت لم أنج من دفع ثمنه‏..‏ فأنا رجل متوسط العمر أعمل في منصب قيادي باحدي الهيئات‏,‏ ولي صديق تزوجت ابنته من شاب كان يعمل تحت رئاستي بالهيئة‏.‏ وبطبيعة الحال فقد سألني صديقي عنه قبل الارتباط فشهدت له بحسن الخلق والجدية والالتزام‏..‏ ثم تم الزواج ولأسباب لا أعرفها لم يوفق الزوجان في حياتهما معا ولم تطل عشرتهما‏..‏ ورغب الشاب في أن يطلق ابنة صديقي‏,‏ واستنجد بي الصديق فحاولت إقناع الشاب بالعدول عن الطلاق دون جدوي‏,‏ وتم الطلاق بالفعل فاستأت لعدم نجاحي مع هذا الشاب‏,‏ وكرهته‏,‏
ومضت الأيام ثم اتصل بي أحد المعارف ليقول لي أن هذا الشاب قد تقدم لخطبة فتاة من أقاربه ويريد أن يعرف رأيي فيه لابلاغه لأهل الفتاة قبل الرد عليه‏,‏ فوجدتها فرصة للتنفيس عن ضيقي بهذا الشاب
وأبديت فيه رأيا سيئا للغاية وقلت فيه ما أعلم أنه ليس من صفاته‏,‏ ولا أدري لماذا قسوت عليه وظلمته علي هذا النحو‏,‏ وحمل الرجل رأيي إلي أهل الفتاة فرفضوه‏,‏ وشاءت الظروف أن تتكرر نفس القصة مرة ثانية بعد شهور إذ سألني عنه والد فتاة تقدم هذا الشاب إليها‏,‏ فلم أكتف بتجريحه والاساءة إليه فقط‏,‏ وإنما أعطيت أيضا والد الفتاة رقم تليفون ابنة صديقي مطلقة هذا الشاب ليتحري منها عنه‏..‏ فانتهزت هي الفرصة لتقطيعه‏,‏ واتصلت بي تشكرني علي أن أتحت لها هذه الفرصة‏..‏

ومرت سنوات ورحلت زوجتي يرحمها الله عن الحياة‏..‏ وواجهت الحياة وحيدا
 لفترة‏..‏ ثم ضقت بالوحدة وفكرت في الزواج مرة ثانية وتلفت حولي أبحث عن سيدة متوسطة العمر مطلقة أو أرملة تكون زوجة ملائمة لي‏,‏ فخطرت علي بالي ابنة صديقي المطلقة منذ بضع سنوات ولم تتزوج‏,‏ وتساءلت‏:‏ ماذا يمنعني من الارتباط بها و فارق العمر بيننا ليس بالكبير جدا؟ وتحدثت إلي صديقي فوجدت منه ترحيبا وتحدثت إليها فلقيت منها التشجيع‏,‏ وهكذا تزوجتها‏..‏ وبدأت حياتي معها‏,‏ فإذا بي ألمس بعد قليل سوء طباعها وسوء عشرتها وذهلت حين اكتشفت أنها تسرق نقودا من حافظتي دون علمي‏,‏ ولم أشأ أن أظلمها بغير بينة وأردت التأكد فعددت النقود الموجودة بحافظتي قبل النوم ونمت وفي الصباح عددتها فوجدتها ناقصة‏!‏ كما لاحظت كذلك أنها تسرق من نقود الزكاة الموضوعة في مظاريف بأسماء من ستوجه لهم رغم علمها بأنها نقود زكاة‏,‏ وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد‏..‏ أو ليته اقتصر علي حد إهمالها لبيتها ونظافته وسوء طهيها وصوتها العالي‏,‏ فلقد بدأت ألاحظ أن جرس التليفون يرن كثيرا في وجودي فإذا رددت عليه لم أجد سوي الصمت‏,‏ أما إذا ردت هي فإن الحديث يطول وتزعم لي أن المتصل إحدي صديقاتها‏,‏ فإذا تأكدت من أنه رجل زعمت أنه من الأهل‏.‏

فأدركت حينذاك فقط لماذا أصر زوجها السابق علي طلاقها ولم تفلح معه
 محاولاتي للعدول عن الطلاق‏..‏ وعرفت أنني قد ظلمته ظلما بينا حين افتريت عليه ما ليس فيه في شهادتي لمن سألوني عنه وأفسدت عليه زيجتين كان يسعي إليهما‏..‏

وإنني أشعر أنني قد أجرمت في حق هذا الشاب وقلت فيه بالباطل ما ليس
 فيه‏,‏ ولا يخفف من إحساسي بالاثم سوي أنني قد تجرعت من نفس الكأس التي أردته أن يواصل تجرعها للنهاية‏..‏ وإني لأرجو أن يغفر الله لي هذا الاثم‏..‏ وأكتب إليك هذه الرسالة لكي أقر بذنبي وأنصح غيري ألا يفعلوا ما فعلت لكيلا تؤرقهم ضمائرهم أو يدفعوا ثمنا غاليا كالذي دفعته‏..

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

من المؤسف حقا أن البعض منا يستهين بحرمة قول الزور عن الآخرين ولا يشعر باثمه ولا بخطورته‏,‏ مع أن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد نبهنا إلي أنه من أكبر الكبائر وليس مجرد كبيرة‏,‏ ففي الحديث الذي رواه أبوبكر أنه قال لأصحابه ذات يوم ألا انبئكم بأكبر الكبائر‏(‏ ثلاثا‏)‏ قالوا‏:‏ نعم‏,‏ قال‏:‏ الاشراك بالله وعقوق الوالدين‏,‏ وكان متكئا فجلس وقال‏:‏ ألا وقول الزور‏,‏ ومازال يرددها حتي قلنا ليته سكت‏..‏ كما نهانا الرسول الكريم أيضا عن قول السوء عن أحد وقال ما معناه انك إن قلت عنه ما فيه فقد اغتبته وإن قلت عنه ما ليس فيه فلقد بهته‏,‏ أي افتريت عليه وظلمته وآذيته أذي شديدا بلا ذنب جناه‏..‏

وأنت ياسيدي قد بهت ذلك الشاب الذي كان يعمل معك وآذيته أشد الأذي وحرمته ظلما وافتراء من فرصة الاقتران بمن تقدم لهما مرتين‏,‏ فلا عجب أن تدور دائرة الأيام وتكشف لك ما لم تكن تعلم‏,‏ وتندم علـي خطئك في حقه وتستشعر إثمه‏,‏ وقد قال لنا الفقهاء إن التوبة إذا كانت تتعلق بحقوق الله علي العبد فإنها تصح إذا توافرت لها ثلاثة شروط هي الكف نهائيا عما أثم المرء بفعله‏.‏ والندم الصادق عليه‏,‏ والعزم الأكيد علي ألا يرجع إليه أبدا‏,‏ أما إذا كانت تتعلق بحقوق الغير فإنه يضاف إلي هذه الشروط الثلاثة شرط رابع هو رد الحق إلي صاحبه‏,‏ فإذا كان حقا ماديا اعاده إليه أو أستسمحه فيه إذا كان حقا معنويا كأذي اللسان اعتذر له وطلب صفحه عنه‏,‏ وقد اختلف الفقهاء في الحقوق المعنوية‏,‏ هل ينبغي للتائب أن يصرح له بما قاله عنه ويطلب صفحه عنه أم يتكتم ما قاله عنه لكيلا يؤذيه مرة ثانية بتكرار ما قاله عنه في غيابه‏,‏ وربما لم يكن يعلم به‏,‏ فقال بعضهم إن عليه أن يعترف له بما قاله عنه وقال البعض الآخر إن في اعترافه له أذي معنويا هو في غني عنه‏,‏ وأخذ جمهور الفقهاء بالحل الوسط وقالوا إن الأفضل هو أن يعتذر له اعتذارا عاما بغير تعيين لما قاله عنه ويطلب منه عفوه رعاية لمشاعره وتفاديا لتكرار ايذائه من جديد‏,‏ وهذا ما ينبغي أن تفعله مع هذا الشاب إذا كنت صادقا حقا في ندمك علي ما آذيته فيه‏..‏ فهل تفعل؟

انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;