أنا
فتاة في السادسة والعشرين من العمر، تصورت في وقت من الأوقات انه قد اكتملت لي كل
أسباب السعادة، فأنا جامعية وجميلة واجتماعية ومتدينة ولي عائلة رائعة مكونة من
عدد كبير من الابناء والأحفاد، وكل الأهل والأقارب يحسدون هذه العائلة على ترابطها
والحب الذي يجمع بين أفرادها، والجميع يشيدون بأمي وهي السيدة الفاضلة التي ترعى
ربها في زوجها وأولادها وأحفادها وكل من تعرفه، والكل يحبونها لطيبتها المتناهية
وصفاتها الحميدة.
أما والدي فهو رجل فاضل يستشيره أهالي الحي في جميع أمور حياتهم ويستعينون به في قضاء حوائجهم ومصالحهم، وقد جمع الحب بينه وبين والدتي لسنوات قبل الزواج إلى أن توج بالارتباط، وقد مر زواجهما في البداية بصعوبات الحياة المادية الى أن استطاعت سفينتهما اجتيازها والمضي بثبات في بحر الحياة.
باختصار كانت الحياة رائعة وسعيدة الى ان استيقظنا ذات يوم على مفاجأة ليست في الحسبان، فلقد وجدنا أبي يجمع حقائبه استعدادا لمغادرة المنزل بعدما يقرب من 40 عاما من الزواج وليس للسفر إلى مكان جديد للعمل فيه، وإنما لكي يتزوج من سيدة أخري ويبدأ حياته من جديد، أما الزوجة الجديدة فهي جارة لنا وتربطها بنا صلة قرابة وكانت أمي توصينا جميعا بها خيرا وتعطف عليها لأنها وحيدة ولا أحد يسأل عنها لأنها لا تحسن عشرة جيرانها.
فأحسست أن الدنيا قد زلزلت تحت أقدامي وأني فقدت سندي ومعيني في الحياة، ومهما حاولت فلن استطيع أن أصف لك شعوري حيال هذا الموقف الذي لم أتصوره ذات يوم، كما لا استطيع أن أصف لك أيضا حالي عندما أرى أمي وهي تبكي ليل نهار على العشرة والتضحية التي ذهبت أدراج الرياح والبيت السعيد الذي تحول لأطلال بعد ما يقرب من 40 عاما، فقد كنت أحترق وأنا أرى أمي لا تنام وتستعين على مصيبتها بالصلاة وقراءة القرآن، فإذا استيقظت في الليل وجدتها تقرأ القرآن، وتبكي ثم تسأل نفسها وتناجي ربها ماذا فعلت لكي تكون هذه هي النهاية بعد هذا العمر، إذ في الوقت الذي كانت تنتظر فيه المودة والرحمة فوجئت بعكس ذلك وعندما كنت اراها هكذا احتضنها وأهدىء من روعها، ثم أجد نفسي أبكي معها إلى أن يؤذن الفجر فنصلي معا، أما عن حال بقية الأسرة فليس أفضل من حال أمي خاصة أن الزوجة الجديدة لا تبالي بمشاعر أحد ولا يقف في طريقها شيء ولولا رعايتي للمشاعر لذكرت لك ما فعلته وتفعله هذه السيدة لقد استطاعت الأسرة أن تتماسك من جديدة وبدأ أفرادها يستعيدون أنفسهم شيئا فشيئا وبالفعل عادت الحياة إلى بيتنا من جديد بفضل الله تعالى وبفضل تآزرنا معا في مواجهة المحنة.
واستطاعت الأسرة إعادة ترتيب حياتها من جديد ولكن بدون الأب هذه المرة.
واقتنعت أمي بأن هذا قضاء الله وقدره واختبار وامتحان من الله ويجب أن نصبر جميعا على هذا البلاء ولن يضيع الله أجر الصابرين، أما ما دفعني للكتابة إليك فهما أمران أولهما اني أريد أن أتزود منك بما يعينني على تجاوز ما مر بي، وأن تفسر لي كيف يترك الإنسان زوجته وأولاده وأحفاده من أجل شخص لا يستحق أو من أجل نزوة عابرة، أما الأمر الثاني فقد حاول اخوتي إقناعي بأن أبدأ حياتي الخاصة وأتزوج وتكون لي أسرتي الصغيرة بجانب أسرتي الكبيرة، ولكني أشعر بخوف رهيب بعد هذا الزلزال العنيف.
نعم أريد أن أكون زوجة صالحة مطيعة وأن أحفظ زوجي في وجوده وغيابه وتكون لي حياة هادئة سعيدة، ولكني أشعر بخوف شديد أحيانا من الزواج، وإذا تزوجت فإني أدعو الله سبحانه وتعالى أن أتزوج من يعاملني بإحسان.. وإن زهدني ذات يوم سرحني بمعروف.
ولكاتبة هذه الرساله اقول
أسوأ ما في مثل هذا الزلزال العنيف الذي يجىء بلامقدمات بعد 40 عاما من الزواج والاستقرار والحياة العائلية الموفقة في أنظار الجميع، هو أنه يهز بعنف معنويات الابناء ومثلهم العليا ورؤيتهم للحياة وأفكارهم عن الأب.. والزواج والوفاء.. والإخلاص.. ناهيك عما يمثله من طعنة دامية في قلب شريكة العمر وكرامتها قد تمضي السنون قبل أن تبرأ من بعض آثارها وإيلامها.
غير اننا لابد أن نعترف بأن بعض البشر قد تضعف مقاومتهم للإغراءات مع العمر.. وفي الوقت الذي يظن فيه الجميع أنهم بعيدون تماما عن الاستسلام لمثل هذا الضعف البشري، كما أن الإنسان قد يلتزم معظم سنوات عمره بالجدية والبعد عن العبث والأهواء والنزوات ثم تنكسر قشرة مقاومته فجأة في لحظة من العمر، فيقدم على سلوك أو تصرف لا يتسق أبدا مع شخصيته الجادة فيبدو أمام الآخرين وكأنه شخصية أخرى لم يتعاملوا معها من قبل وقد تسهم بعض الظروف الطارئة أو العوامل المحيطة في ظهور هذه الشخصية وانكسار القشرة التي تغلفها.. كأن يستشعر في نفسه مثلا بقية من قوة الرغبة في الاستمتاع بالحياة.. ويشكو من استغراق شريكة عمره في دور الأم والجدة، على حساب دورها الخالد الذي لا ينقضي أبدا من وجهة نظره ودور الزوجة والأنثى وقد تساوره بعض أحلام الرغبة في تجديد الحياة وإثبات القدرة على ممارسة مشاعر الحب وإحساس المغامرة بعد سنوات طويلة من الالتزام أو التحفظ، يتعرض لإغراء مركز يستغل احتياجاته التي يشعر هو بعدم إشباعها أو تطلعاته التي تراوده في أحلام اليقظة لخوض مغامرة عاطفية والنهل من متع الحياة فيستسلم له، ويبرر استسلامه لنفسه بأنه قد أدى واجبه كاملا تجاه الزوجة والأبناء على مدى العمر، ومن حقه الآن أن يلبي رغباته الشخصية ويحقق سعادته الخاصة أينما يجدها ما دامت تتحقق بالطريق المشروع، فيبدأ في التفكير في أمره بمنطق فردي بحت لا يضع في الحسبان كل الاعتبارات التي التزم بها طوال رحلة العمر كمشاعر شريكة الحياة ومشاعر الابناء والتحسب لحرجهم العائلي والاجتماعي أمام الأصهار، فكأنما يطيح في لحظة واحدة بكل ما التزم به خلال رحلة عمر من غيرية وحرص على مصالح الابناء والاعتبارات العائلية والاجتماعية، ويحل محلها الذاتية في التصرف.. والفردية.. والاعتبارات الخاصة دون غيرها.
ومن هنا تكون المفاجأة الصادمة لأفكار الجميع عنه، ويكون الزلزال العنيف الذي تتحدثين عنه، ولأنه لا حد لغرائب النفس البشرية فلسوف تستمر مثل هذه المفاجآت الإنسانية إلى ما لا نهاية.. وستظل تدهشنا وتثير تأملاتنا أيضا، لكنها ومهما تعددت لن تحجب عنا الحقيقة الأهم، وهي أنها في النهاية خروج على مألوف الحياة، واستثناء من القاعدة، وسيظل الفضلاء يرفضونها ويستنكرونها على الدوام، لهذا فإن ما حدث لا ينبغي له يا آنستي أن يؤثر سلبا على رؤيتك للحياة، وألا يخصم من استعدادك للسعادة وألا يورثك سوء الظن بالرجال والوفاء والإخلاص وكل المعاني الجميلة، فكما تشهد الحياة مثل هذه الصور الشاذة للجحود وخيانة عهد الوفاء، فإنها تشهد أيضا كل يوم صور الوفاء والإخلاص والالتزام، وإعلاء الواجب العائلي والإنساني على كل الاعتبارات، أما والدتك فلعلها تكون قد استعادت بعض تماسكها بعد انقضاء فترة الذهول أمام المفاجأة القاسية، ووجدت في قلوب أبنائها وأحفادها واحترام الجميع ومحبتهم الصادقة لها بعض ما يعوضها عما تستشعره من مرارة الخذلان
أما والدي فهو رجل فاضل يستشيره أهالي الحي في جميع أمور حياتهم ويستعينون به في قضاء حوائجهم ومصالحهم، وقد جمع الحب بينه وبين والدتي لسنوات قبل الزواج إلى أن توج بالارتباط، وقد مر زواجهما في البداية بصعوبات الحياة المادية الى أن استطاعت سفينتهما اجتيازها والمضي بثبات في بحر الحياة.
باختصار كانت الحياة رائعة وسعيدة الى ان استيقظنا ذات يوم على مفاجأة ليست في الحسبان، فلقد وجدنا أبي يجمع حقائبه استعدادا لمغادرة المنزل بعدما يقرب من 40 عاما من الزواج وليس للسفر إلى مكان جديد للعمل فيه، وإنما لكي يتزوج من سيدة أخري ويبدأ حياته من جديد، أما الزوجة الجديدة فهي جارة لنا وتربطها بنا صلة قرابة وكانت أمي توصينا جميعا بها خيرا وتعطف عليها لأنها وحيدة ولا أحد يسأل عنها لأنها لا تحسن عشرة جيرانها.
فأحسست أن الدنيا قد زلزلت تحت أقدامي وأني فقدت سندي ومعيني في الحياة، ومهما حاولت فلن استطيع أن أصف لك شعوري حيال هذا الموقف الذي لم أتصوره ذات يوم، كما لا استطيع أن أصف لك أيضا حالي عندما أرى أمي وهي تبكي ليل نهار على العشرة والتضحية التي ذهبت أدراج الرياح والبيت السعيد الذي تحول لأطلال بعد ما يقرب من 40 عاما، فقد كنت أحترق وأنا أرى أمي لا تنام وتستعين على مصيبتها بالصلاة وقراءة القرآن، فإذا استيقظت في الليل وجدتها تقرأ القرآن، وتبكي ثم تسأل نفسها وتناجي ربها ماذا فعلت لكي تكون هذه هي النهاية بعد هذا العمر، إذ في الوقت الذي كانت تنتظر فيه المودة والرحمة فوجئت بعكس ذلك وعندما كنت اراها هكذا احتضنها وأهدىء من روعها، ثم أجد نفسي أبكي معها إلى أن يؤذن الفجر فنصلي معا، أما عن حال بقية الأسرة فليس أفضل من حال أمي خاصة أن الزوجة الجديدة لا تبالي بمشاعر أحد ولا يقف في طريقها شيء ولولا رعايتي للمشاعر لذكرت لك ما فعلته وتفعله هذه السيدة لقد استطاعت الأسرة أن تتماسك من جديدة وبدأ أفرادها يستعيدون أنفسهم شيئا فشيئا وبالفعل عادت الحياة إلى بيتنا من جديد بفضل الله تعالى وبفضل تآزرنا معا في مواجهة المحنة.
واستطاعت الأسرة إعادة ترتيب حياتها من جديد ولكن بدون الأب هذه المرة.
واقتنعت أمي بأن هذا قضاء الله وقدره واختبار وامتحان من الله ويجب أن نصبر جميعا على هذا البلاء ولن يضيع الله أجر الصابرين، أما ما دفعني للكتابة إليك فهما أمران أولهما اني أريد أن أتزود منك بما يعينني على تجاوز ما مر بي، وأن تفسر لي كيف يترك الإنسان زوجته وأولاده وأحفاده من أجل شخص لا يستحق أو من أجل نزوة عابرة، أما الأمر الثاني فقد حاول اخوتي إقناعي بأن أبدأ حياتي الخاصة وأتزوج وتكون لي أسرتي الصغيرة بجانب أسرتي الكبيرة، ولكني أشعر بخوف رهيب بعد هذا الزلزال العنيف.
نعم أريد أن أكون زوجة صالحة مطيعة وأن أحفظ زوجي في وجوده وغيابه وتكون لي حياة هادئة سعيدة، ولكني أشعر بخوف شديد أحيانا من الزواج، وإذا تزوجت فإني أدعو الله سبحانه وتعالى أن أتزوج من يعاملني بإحسان.. وإن زهدني ذات يوم سرحني بمعروف.
ولكاتبة هذه الرساله اقول
أسوأ ما في مثل هذا الزلزال العنيف الذي يجىء بلامقدمات بعد 40 عاما من الزواج والاستقرار والحياة العائلية الموفقة في أنظار الجميع، هو أنه يهز بعنف معنويات الابناء ومثلهم العليا ورؤيتهم للحياة وأفكارهم عن الأب.. والزواج والوفاء.. والإخلاص.. ناهيك عما يمثله من طعنة دامية في قلب شريكة العمر وكرامتها قد تمضي السنون قبل أن تبرأ من بعض آثارها وإيلامها.
غير اننا لابد أن نعترف بأن بعض البشر قد تضعف مقاومتهم للإغراءات مع العمر.. وفي الوقت الذي يظن فيه الجميع أنهم بعيدون تماما عن الاستسلام لمثل هذا الضعف البشري، كما أن الإنسان قد يلتزم معظم سنوات عمره بالجدية والبعد عن العبث والأهواء والنزوات ثم تنكسر قشرة مقاومته فجأة في لحظة من العمر، فيقدم على سلوك أو تصرف لا يتسق أبدا مع شخصيته الجادة فيبدو أمام الآخرين وكأنه شخصية أخرى لم يتعاملوا معها من قبل وقد تسهم بعض الظروف الطارئة أو العوامل المحيطة في ظهور هذه الشخصية وانكسار القشرة التي تغلفها.. كأن يستشعر في نفسه مثلا بقية من قوة الرغبة في الاستمتاع بالحياة.. ويشكو من استغراق شريكة عمره في دور الأم والجدة، على حساب دورها الخالد الذي لا ينقضي أبدا من وجهة نظره ودور الزوجة والأنثى وقد تساوره بعض أحلام الرغبة في تجديد الحياة وإثبات القدرة على ممارسة مشاعر الحب وإحساس المغامرة بعد سنوات طويلة من الالتزام أو التحفظ، يتعرض لإغراء مركز يستغل احتياجاته التي يشعر هو بعدم إشباعها أو تطلعاته التي تراوده في أحلام اليقظة لخوض مغامرة عاطفية والنهل من متع الحياة فيستسلم له، ويبرر استسلامه لنفسه بأنه قد أدى واجبه كاملا تجاه الزوجة والأبناء على مدى العمر، ومن حقه الآن أن يلبي رغباته الشخصية ويحقق سعادته الخاصة أينما يجدها ما دامت تتحقق بالطريق المشروع، فيبدأ في التفكير في أمره بمنطق فردي بحت لا يضع في الحسبان كل الاعتبارات التي التزم بها طوال رحلة العمر كمشاعر شريكة الحياة ومشاعر الابناء والتحسب لحرجهم العائلي والاجتماعي أمام الأصهار، فكأنما يطيح في لحظة واحدة بكل ما التزم به خلال رحلة عمر من غيرية وحرص على مصالح الابناء والاعتبارات العائلية والاجتماعية، ويحل محلها الذاتية في التصرف.. والفردية.. والاعتبارات الخاصة دون غيرها.
ومن هنا تكون المفاجأة الصادمة لأفكار الجميع عنه، ويكون الزلزال العنيف الذي تتحدثين عنه، ولأنه لا حد لغرائب النفس البشرية فلسوف تستمر مثل هذه المفاجآت الإنسانية إلى ما لا نهاية.. وستظل تدهشنا وتثير تأملاتنا أيضا، لكنها ومهما تعددت لن تحجب عنا الحقيقة الأهم، وهي أنها في النهاية خروج على مألوف الحياة، واستثناء من القاعدة، وسيظل الفضلاء يرفضونها ويستنكرونها على الدوام، لهذا فإن ما حدث لا ينبغي له يا آنستي أن يؤثر سلبا على رؤيتك للحياة، وألا يخصم من استعدادك للسعادة وألا يورثك سوء الظن بالرجال والوفاء والإخلاص وكل المعاني الجميلة، فكما تشهد الحياة مثل هذه الصور الشاذة للجحود وخيانة عهد الوفاء، فإنها تشهد أيضا كل يوم صور الوفاء والإخلاص والالتزام، وإعلاء الواجب العائلي والإنساني على كل الاعتبارات، أما والدتك فلعلها تكون قد استعادت بعض تماسكها بعد انقضاء فترة الذهول أمام المفاجأة القاسية، ووجدت في قلوب أبنائها وأحفادها واحترام الجميع ومحبتهم الصادقة لها بعض ما يعوضها عما تستشعره من مرارة الخذلان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق