الأربعاء، 2 يوليو 2014

رسالة (اللقب الجميل)..بعض الآباء والأمهات لايستحقون ألقابهم ..

أتابع بريدك منذ فترة‏,‏ وقد لاحظت في الآونة الأخيرة بعض الملاحظات التي آلمتني فآثرت أن أكتب إليك بتجربتي عسي أن يستفيد بها البعض ممن استحكمت الغشاوة علي أعينهم فأنكروا نعمة الله التي يغبطهم عليها الكثيرون‏.‏ فلقد آلمتني صرخات بعض الأبناء في رسائلهم اليك فقد تخلي آباؤهم عن مسئولياتهم المادية والمعنوية تجاههم‏..‏ وآلمني ما قرأته في رسائل أخري من استسهال بعض الآباء للطلاق كحل لمشاكلهم مع زوجاتهم‏,‏ وكأن الطلاق الذي شرعه الله في حالة استحالة العشرة قد أصبح رخصة مباحة لكل من يشاء دون النظر لعواقبها الوخيمة علي الأبناء‏,‏ كما آلمتني الرسائل التي تتحدث عن زوجات يتخلين عن أبنائهن إرضاء لاهوائهن أو يدبرن الخطط المحكمة لافتعال الخلافات مع الأزواج والحصول علي الطلاق منهم والزواج من آخرين متخليات بذلك عن أبنائهن‏,‏ ولكل هؤلاء الذين أثار حنقي عليهم تخليهم عن أبنائهم بلا عناء أروي قصتي عسي أن يعودوا لصوابهم ويشكروا نعمة الله التي أنعمها عليهم من الأبناء‏.‏
فأنا سيدة في الثامنة والأربعين من عمري تزوجت منذ عشرين عاما من رجل فاضل‏,‏ لكن الله سبحانه وتعالي لم يمن علينا بالانجاب‏,‏ وبعد عدة سنوات من المحاولات المستميتة والعلاج قررنا أن نخوض تجربة الأنابيب وباءت كل محاولاتنا معها بالفشل‏,‏ واستسلمنا لاقدارنا‏,‏ لكن امومتي ظلت تلح علي وتبحث عن مخرج لافراغ شحنتها الدافئة في طفل احتضنه ويناديني بالكلمة الجميلة ماما‏,‏ وكان زوجي كذلك يكتم عني رغبته المماثلة واستشعرها في نظرته المحرومة وحنانه الجارف لكل طفل من أبناء الجيران أو المعارف‏,‏ ففكرت جديا في أن أرعي طفلا يتيما لكني خشيت عرض هذه الفكرة علي زوجي تحسبا لردود أفعاله تجاهها‏..‏ ثم استجمعت شجاعتي ذات يوم وعرضتها عليه فرحب بها‏,‏ وذهبنا الي احدي دور الايتام واخترنا الطفل معا وتحملنا الاجراءات المريرة الطويلة لرعاية أحد الأطفال وفزنا في النهاية باللحظة الجميلة التي اصطحبنا فيها طفلنا الي بيتنا الحبيب‏,‏ وبدأت استمتع بممارسة أمومتي له واستمتع بمراحل نموه وصخبه الجميل والتمعن في وجهه البريء‏,‏ وحكايات ما قبل النوم التي أحكيها له‏,‏ أما زوجي فقد راح يشتري له كل ما يصادفه من لعب جميلة وملابس أنيقة وأطعمة غالية كنا نضن بها علي أنفسنا من قبل لنوفر تكاليف إجراء تجارب الأنابيب‏,‏ وأصبح للحياة في أسرتنا مذاق مختلف وطعم آخر‏.‏
وجاء اليوم الذي سيلتحق فيه صغيري بالمدرسة لأول مرة فأقدمت علي خطوة مصيرية في حياتي‏..‏ وتخليت بلا تردد عن منصبي القيادي والمرتب المغري الذي كنت أتقاضاه من وظيفتي ويغبطني عليه الآخرون‏,‏ وتفرغت لرعاية طفلي الحبيب وزوجي وبيتي‏,‏ وأصبحت متعتي الأولي في الحياة هي أن أوصله الي المدرسة ثم أجلس أمام بوابتها حتي ينتهي اليوم المدرسي ونرجع إلي بيتنا معا‏,‏ ولم أهتم بتعليقات الآخرين ولاتهامهم لي بتدليل طفلي هذا تدليلا زائدا‏,‏ ولم يعكر صفو حياتي سوي تعليقات بعض أهل زوجي الجارحة حتي كرهت زيارتهم لي‏,‏ ولم يجد زوجي ما يفسر به ماحدث لأن هذه التعليقات كانت تقال أمامي في غيابه وليس في حضوره لعلمهم بحبه الجارف لي‏..‏ حتي جاء اليوم الذي طلبت فيه من زوجي أن يسرحني باحسان ليتزوج بمن تحقق له رغبة أهله في انجاب طفل من صلبه كما نصحه بذلك بعض أهله‏.‏ وفوجئت بزوجي يقول لي انه اذا كان قد فكر في ذلك من قبل بالفعل‏..‏ فانه لايستطيع التفكير فيه الآن ليس فقط من أجلي‏..‏ وانما أيضا من أجل هذا الطفل البريء كذلك‏,‏ لأنه رجل مسئول عن قراراته واختياراته‏,‏ وقراره بكفالة الطفل اليتيم‏,‏ لم يكن يقتصر علي كفالته من الناحية المادية فقط‏,‏ وانما يشمل أيضا كفالته من الناحية المعنوية والاجتماعية وتوفير الأمان النفسي والأسرة المستقرة له‏..‏ وإلا فلن يكون جديرا باللقب الحبيب بابا الذي يسمعه منه‏,‏ ودمعت عيناي حبا وفرحا وسعادة بزوجي وحياتي حين سمعت منه ذلك‏,‏ وتقبلت اتهامه لي بالحساسية تجاه تعليقات ذويه وربطها في ذهني دائما بعدم الانجاب في حين أن العلاقة بين الحماة وزوجة الابن لاتخلو في أحيان كثيرة من مثل هذه الملاحاة سواء كانت الزوجة قد أنجبت أم لا تنجب‏,‏ وحاولت بالفعل مغالبة هذه الحساسية وعدم السماح لها بافساد حياتنا‏..‏ واستوعب زوجي صراعاتي النفسية بفهم كبير‏,‏ ووجدته يتخلي عن عصبيته المعهودة في كثير من الأحيان ويحتوي انفعالاتي الي أن زالت مخاوفي بالفعل من أن يتأثر ذات يوم بنصائح ذويه له بالزواج من أخري‏,‏ وانعكس شعوري بالأمان النفسي مع زوجي علي طفلي الجميل بكل جوانبه الايجابية‏,‏ وأريد أن أسأل الآن هؤلاء الذين يتخلون عن أبنائهم ويتنصلون من مسئولياتهم المادية والمعنوية عنهم‏..‏ كيف لأب تنصل من مسئولياته تجاه ابنه ان يستسيغ طعاما أو شرابا دون أن يفكر في حال ابنائه؟ وكيف لأم أن تسعي وراء أهوائها ورغباتها ضاربة عرض الحائط باحتياجات أبنائها النفسية اليها؟
إن هؤلاء الآباء والأمهات الذين لا يستحقون اللقب الجميل للأب والأم لو كانوا قد استشعروا آلام إجراء تجارب الأنابيب النفسية والبدنية جريا وراء أمل ضعيف في الانجاب‏..‏ لشعروا بتفاهة كل شيء في الحياة الي جوار نعمة الأبناء‏.‏
فماذا يعني مفهوم الزواج بالنسبة اليهم؟ أهو مجرد اشباع قانوني للغرائز؟ أم هو شركة عظيمة لا يجوز تصفيتها إلا برغبة كل الشركاء فيها وهي لاتتكون من الزوجين فقط وانما من الأبناء أيضا؟ انني بكل ما يحتويه قلبي من حب لطفل لم يحمله رحمي أشعر بالتقزز من مشاعر أمثال هؤلاء الآباء والأمهات الذين لايستحقون ألقابهم‏,‏ وأرجو أن تعيدهم كلماتي وتجربتي الي رشدهم ويشكروا نعمة الله عليهم ليس باللسان فقط وإنما بالافعال وبرعاية أبنائهم وعدم التخلي عن مسئولياتهم وعدم اللهاث وراء الشهوات والرغبات بعيدا عنهم‏..‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

‏««‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏»»‏:
‏ بعض الآباء والأمهات ممن لايستحقون ألقابهم ينطبق عليهم المثل الألماني الذي يقول‏:‏ من أتجر في الزهور لم يشم رائحتها‏!‏
بمعني ان من يجد الزهور حوله كل يوم قد يضعف احساسه بجمالها‏,‏ وتتحول بالنسبة اليه الي بضاعة كغيرها من البضائع التي لا يعز عليه فراقها‏..‏ بل لعله يجد في بعدها عنه ما يحقق له المصلحة المرجوة منها‏..‏ وهي التخلص منها بالبيع‏!‏
وفي حالة أمثال هؤلاء الآباء والأمهات فإن ضعف الاحساس بالواجب الانساني تجاه الأبناء لديهم‏,‏ وضعف ادراكهم لنعمة الله الجليلة عليهم بهؤلاء الأبناء قد لايرجع أساسا الي حكم الاعتياد علي وجودهم في حياتهم بلا عناء ولا تجارب أنابيب مرهقة ومكلفة ومؤلمة‏,‏ وانما أيضا الي عامل جوهري آخر هو ضعف الاحساس بالواجب الاخلاقي والانساني لديهم تجاه هؤلاء الأبناء‏,‏ والي العجز عن ادراك قيمة الثروة الانسانية الجليلة التي خصهم الله سبحانه وتعالي بها دون غيرهم ممن شاءت لهم ارادته العليا الحرمان منها‏.‏
أما تساؤلك المرير‏:‏ كيف لأب تخلي عن مسئولياته تجاه أبناءها أو لأم هجرت أبنائها جريا وراء أهوائها ان ينعما بحياتهما بعيدا عن هؤلاء الأبناء وبغير أن ينغصها عليهما تصورهما لحال أبنائهما من بعدهما‏,‏ أو افتقادهما لهم‏..‏ فلعلي أحاول الاجابة عليه بان احدثك قليلا عن مفهوم الضمير كما حاول الفلاسفة تعريفه‏..‏ فالمقصود بالضمير ياسيدتي هو قدرة البشر علي التمييز بين الحق والباطل‏..‏ وهو شيء فطري في الانسان لكنه يتأثر بالوسط الذي ينشأ فيه‏,‏ فبعض الناس ـ علي سبيل المثال ـ لايشعرون بالخجل لكشف أجزاء من أجسامهم‏,‏ بينما يشعر آخرون بالخجل لكشفها‏,‏ لكن معظم الناس في مقابل ذلك يستشعرون تأنيب الضمير وعدم الارتياح اذا هم ألحقوا الأذي بالآخرين‏,‏ غير أن امتلاك الانسان للضمير شيء واستعماله شيء آخر‏,‏ ولهذا فلقد شبه مؤرخ الفلسفة النرويجي يوستن جاردر الضمير بعضلة من عضلات الجسم‏..‏ ان لم يستخدمها المرء كثيرا ضعفت وذوت وكذلك ضمير الانسان ياسيدتي فإنه ان لم يستعمله الإنسان منذ الصغر ولم يحتكم اليه في كل تصرفاته واختياراته وقراراته فانه يذوي ويضعف ويقل تأثيره علي سلوكيات الإنسان‏,‏ تماما كما تضعف اليد التي يهملها صاحبها ولا يستخدمها بنفس الكثرة التي يستخدم بها يده الأخري‏..‏
ولعل في هذا التشبيه ما يفسر لنا لماذا نصف دائما الأشخاص الأمناء مع الحياة ومع البشر بأنهم من أصحاب الضمائر الحية‏..‏ ونصف غيرهم ممن لا يرون أي قيود أخلاقية علي تصرفاتهم بأنهم من أصحاب الضمائر الميتة‏.‏
فكلا الفريقين لهم ضمائرهم لكن بعضهم قد استخدها وأحسن استخدامها فتجددت خلاياها وقويت سطوتها وتأثيرها علي حياته‏,‏ وبعضهم أهملها فضعف أثرها علي حياتهم وحياة من يتعاملون معهم للأسف‏,‏ وأولهم الأبناء وشركاء الحياة‏..‏ والمسألة في البداية وفي النهاية تتمثل في الضمير الأخلاقي ودرجة يقظته وحيويته أو العكس‏..‏
كما تتمثل أيضا من جانب آخر في قوة البصيرة أو ضعفها‏..‏
وهذه البصيرة هي التي تعين الإنسان علي التمييز بين ما يستحق أن يشقي للحفاظ عليه والاستمساك به والدفاع عنه‏..‏ وما لا يستحق منه كل ذلك اذا كان الثمن الباهظ له هو التخلي عن أبنائه‏.‏
والحكيم الصيني القديم لو ـ تسو يقول لنا ان رؤية الأشياء الصغيرة بصيرة‏!‏
فكيف بمن لا يرون الأشياء الكبيرة في حياتهم ولا يعرفون لها قدرها‏..‏ ولا يشكرون ربهم الذي أنعم عليهم بها؟
لقد رأيت أنت هذه الأشياء بفطرتك السليمة وقلبك الرحيم وبصيرتك الحكيمة‏..‏ وعرفت الشوق اليها فأدركت كم هي غالية وثمينة ولا يعدلها شيء آخر في الحياة‏.‏
فهنيئا لك ذلك اللقب الجميل الذي تستحقين عن جدارة كل حرف من حروفه‏,‏ وهنيئا لك بزوجك المحب الأمين الذي يستشعر مسئولياته الانسانية ويتحمل تبعات قراراته واختياراته‏,‏ وهنيئا للحياة بأمثالكما من أصحاب الضمائر الحية والقلوب الحكيمة والعطاء الدافق لأمثال هذا الطفل المحروم‏.‏


انشر
-

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم بغيت اعلق بس نسيت المشكله ايش هي احد يذكرني

    ردحذف

;