أنا
شاب أبلغ من العمر 37 عاماً، ملتزم وناجح في عملي وصريح الى حد كبير. بعد أن فشلت
في أكثر من خطبة لأسباب مادية سافرت للعمل في دولة خليجية، وهناك تعرفت على سيدة
مصرية مطلقة تعمل هناك، تكبرني بعشرين عاما كاملة، لكنها كانت تبدو أصغر من عمرها
الحقيقي، بالرغم من أنها أم لأربعة أبناء، وبفعل الغربة والوحدة والوحشة أو كأثر
لفشلي في مشاريع زواجي السابقة - وجدت نفسي مندفعا نحو هذه السيدة بعد فترة قصيرة
وجدتني أعرض عليها الزواج بدون علم أهلي في مصر الذين ما ان علموا بذلك حتى أسقط
في يدهم وأرسلوا إلي يستنكرون اختياري،
ووافقت السيدة على الزواج وعارضه أهلها في
البداية، لكنني وبعد تفكير عميق حاولت أن أتراجع عن اتمام الزواج وأن أنسحب لفارق
السن الكبير بيننا ولأنها ايضا لا أمل لها في الانجاب ولست أتصور أن يكون لحياتي
معنى أو قيمة بدون أن يكون لي طفل تقر به عيني، لكنه قضاء الله وقدره أو ربما كانت
هي أكثر مهارة مني، فقد قالت لي إن الله بعثني اليها لكي أعوضها عما مضى من
حياتها! وأشياء أخرى ضعفت أمامها، فقلت في نفسي ولم لا؟ فلأتزوجها اذن الآن وليفعل
الله في المستقبل ما يشاء طالما أنني أتزوج في الحلال، وتزوجتها بالفعل، وبعد عامين
من زواجي منها، وعند عودتي الى مصر في أول إجازة رأيت أبناءها لأول مرة وشعرت
بالخجل من نفسي، فأنا أبدو كواحد منهم، ناهيك عن بنتيها الاثنتين وإحداهما لديها
ثلاثة أولاد والثانية في السنة النهائية في إحدى الكليات طلبت منها ألا يتعرف أهلي
على أولادها، خاصة أنهم من مدينة اخرى وقمت بزيارة أهلي بصحبة زوجتي فلاقت كل
ترحيب منهم ربما لأن أسرتي تريد إرضائي ولا تريد خسارة ما أرسله لها من هدايا..
المهم أنني وجدت نظرات الحسرة والحيرة والاستنكار في عيون كل من أعرفهم، خاصة أمي
وأنا ابنها البكر، عدت من اجازتي الى عملي قاطعا الاجازة التعيسة وواصلت عملي
وتدرجت في وظيفتي حتى وصلت الى مركز مرموق وبعد مرور سبع سنوات على الزواج تغير
شكل زوجتي كثيرا، فقد دخلت عامها السابع والخمسين وبدأ جسدها يتخذ شكلا مختلفا،
وأصبحت غير قادر على الظهور بها في المجتمع، ولا أرغب في زيارة أحد أو أن يزورني
أحد ليرى زوجتي، وأصبحت غير قادر على العودة الى مصر ومواجهة أهلي ومعارفي بل
والمجتمع كله، وأريد أن اهرب من كل شىء، لقد أتعست حياتي بيدي.. أريد أن أتزوج
الانسانة المناسبة التي تشعرني بمعنى الأسرة وتشاركني طموحاتي وأحلامي الكبيرة وأن
تكون لي وحدي وأكون لها وحدها.. كما أنني متأكد أنني لن أنجح في الجمع بين زوجتين
في وقت واحد، أولا بسبب طبيعة زوجتي وغيرتها العمياء وكذلك بسبب ثقافتي انا ايضا..
لهذا قررت ان انسحب نهائيا من حياتها واخبرتها انني سوف أتزوج عليها لأمنحها
الفرصة لتأخذ القرار بنفسها، وكنت امل في أن تقرر
الرحيل بهدوء أو تدعني أرحل بهدوء ويحتفظ كل منا للآخر بذكريات طيبة واحترام
متبادل، إلا أنها فاجأتني بأن وضعت شروطا كثيرة لزواجي الثاني لا أستطيع الوفاء
بها، بل إنها حتى لو لم تضع أي شرط فلست مستعدا لأن أكون زوجا لامرأتين في وقت
واحد، وأشعر أنني قد ارتكبت غلطة عمري بهذه الزيجة غير المناسبة، وأنني لابد أن
اتخذ قرار النهاية بأقصى سرعة، أريد أن أعود الى نفسي، فأرشدني بالله عليك كيف
أطلق زوجتي.. هل أطلقها غيابيا ثم أرسل لها متعلقاتها؟ أم أترك الخليج كله وأعود
الى مصر برغم أنني ما زلت محتاجا للبقاء هناك عدة سنوات اخرى؟ولكاتب هذه الرسالة اقول: زواجك ممن تكبرك بعشرين عاما خروج على قوانين الحياة الأولى.. وكل مخالفة لمألوف الحياة لا تنتهي غالبا إلا بالخسران لأنها سباحة ضد التيار.. وتحد للزمن الذي لا قبل لأحد بمغالبته وتحديه، ومثل هذا الزواج اذا وقع كاستثناء نادر فانه يستمد استمراره غالبا من أحد عاملين، إما الحب القاهر الذي يصمد لفوارق السن وآثار الزمن.. وإما المصلحة التي تعوض صاحبها عن بعض اعتباراته الخاصة وتغرية بالاستمرار بحوافز اخرى لا علاقة لها بدوافع الزواج الطبيعية، وكلا العاملين ليس متوافرا في قصتك.
فلقد أغراك بهذا الزواج غير المتكافئ ما كنت تستشعره في بداية اغترابك من إحباط ويأس لفشلك في أكثر من مشروع زواج.. الى جانب قسوة ظروف الغربة في بدايتها والوحدة والإحساس بالوحشة وفقدان النصير في المجتمع الجديد، وكل ذلك مما يضعف من مقاومة الانسان ويؤثر على حسن اختياره لنفسه.. بل لعله في بعض المضاعفات قد يدفعه لأن يفكر في أمره بطريقة شبه عدمية.. والتفكير العدمي اتجاه فكري يرى أن كل القيم والأخلاق والمعتقدات التقليدية لا أساس لها من الصحة، وأن الوجود كله لا معنى له ولا قيمة وكل الأحوال في المجتمع البشري فاسدة، ولهذا فمن حق الانسان ان يفعل أي شيء اذا وجد فيه ما يحقق له بعض راحته ولو بصفة مؤقتة وهو اتجاه فاسد كما ترى يؤدي الى الهدم وليس الى البناء.
والبعض في حالات احباطهم ويأسهم قد تنعكس عليهم بعض ظلال من هذا التفكير العدمي الفاسد، ولقد أتصور أنك حين اتخذت قرار الارتباط بسيدة تكبرك بعشرين عاما لم تكن بعيدا عن مثل هذه الظلال.
وأيا كانت دوافعك لهذا الزواج فهي ليست سليمة ولا قادرة على الصمود لعوامل الزمن وتحيادته.. والمؤكد هو أنك قد ظلمت هذه السيدة معك حين أغريتها بالزواج منك أو حتى حين استجبت لإغرائها لك بالزواج منها، ومهما تصورت هي خطأ انها كانت الفائزة في هذا الارتباط، وعلى الرغم من أنها كانت الأكثر نضجا وإدراكا لحقائق الأمور وكان الاحرى بها أن ترفض الزواج منك اهتداء بأحكام العقل، فانه لا يحق لك الآن أن تلوم أحدا سواك، بل ولا يحق لك ايضا أن تنقم عليها شيئا، لأنها لم تخدعك ولم تخف عنك حقيقة عمرها وأوضاعها العائلية، ولم تعدك بالانجاب لك ولم تتعهد لك بالصمود للزمن بحيث لا تظهر عليها آثاره بعد عدة أعوام.
وكل ما حدث هو أنك قد زهدتها بعد سبع سنوات من الزواج، وبعد أن تحسنت أحوالك المعنوية والاجتماعية وبدأت تشعر بأنك تستحق من هي أصغر منها سنا وأكثر شبابا وجمالا، ولأنه لم يكن يربطك بها حب حقيقي منذ البداية وانما إشباع عاجل لاحتياجات نفسية مؤقتة في ظروف بداية الغربة والوحدة واليأس، فلقد أردت أن تطوي صفحتها من حياتك بلا مرارة.. وأملت في أن تجئ النهاية من جانبها حين تفاتحها برغبتك في الزواج من اخرى.. فتعفيك هي بذلك من حرج التخلي والخزلان، لكنها خيبت توقعاتك وقبلت بمبدأ زواجك ووضعت لك بعض الشروط التي لا تغير من حقيقة الأمر شيئا، وهو أنها لا ترغب في مفارقتك حتى ولو تزوجت عليها.. وهي في ذلك منطقية مع نفسها، أو ربما كانت قد أخلصت لك الحب ورغبت في ألا تحرم نفسها منه ولو اضطرت لأن تشرب عند الضرورة على القذى، أو لعلها أدركت بنظرتها الواقعية للأمور، ما أردكته بطلة رواية امرأة من روما للأديب الايطالي البرتومورافيا، حين قالت في ظروف مماثلة: أسوأ ما في الحب بين امرأة وشاب يصغرها في السن بكثير أنه لا مكان للكرامة فيه.
وعلى أية حال كانت الوسيلة التي تختارها لوضع النهاية لهذه القصة ليست هي القضية.. وإنما القرار نفسه.. فإذا كنت قد اتخذته .. ولست بقادر على التحمل معها أكثر من ذلك فالأحرى بك ألا تضاعف من أحزانها بالخداع والغدر.. وواجهها بما استقرت عليه نيتك تجاهها وتلطف بها في تعليل أسباب رغبتك في الانفصال عنها بما لا يجرح كرامتها.. ولا يعاقبها على أمر لا حيلة لها فيه وهو آثار الزمن، وكن كريما معها الى أقصى ما تستطيع عسى أن تأسو بذلك بعض جراحها وتعينها على تقبل أقدارها.. كما فعل الإمام الحسن بن علي رضى الله عنهما مع إحدى نسائه حين أوفد اليها صاحبا له بعشرة آلالف درهم وكانت تزيد كثيرا عن مؤخر صداقها وأبلغها بطلاقه لها، فقالت باكية : متاع قليل من حبيب مفارق ورجع اليه صاحبه بما قالت.. فدمعت عيناه وقال: لو كنت مراجعا امرأة طلقتها لراجعتها.
فهكذا يفعل الأًصلاء مع من مازج عرقهم عرقهن وجمعت بينهم المودة والرحمة لفترة من الزمن حين تجئ النهاية .. وشكرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق