الجمعة، 28 مارس 2014

رسالة (صغيرة علي الأحزان).صفعة علي وجه الآباء.

ما جعلني أكتب إليك هو أنني لم أجد شخصا احكي له مأساتي‏,‏ فليست لي صديقة و لا قريبة‏,‏ لذلك قررت أن أكتب لك قصتي لأنني شعرت بأنه قد تكون لي مساحة صغيرة في بابك‏.‏
اعذرني سيدي علي المقدمة‏,‏ ولعدم اضاعة الوقت أكثر من ذلك اعرفك بنفسي‏,‏ انا فتاة عمري‏19‏ عاما في احدي الكليات الأدبية‏.‏ بدأت المشكلة وعمري‏8‏ سنوات عندما قرر والدي السفر إلي إحدي دول الخليج للعمل وجمع الأموال‏.‏ كان هذا القرار‏,‏ مثل الرياح العاتية التي هبت علي المنزل لتجعله بعد ذلك مجرد ردم‏..‏ نعم‏,‏ هذا التعبير مناسب لما حدث‏.‏

بعدما كان بيتنا ينعم بالسعادة والهناء تحول إلي خرابة‏.‏ لم توافق والدتي علي هذا القرار‏,‏ خاصة انه كان من الصعب الذهاب مع والدي في نفس الوقت الذي كان مصرا علي السفر‏.‏ طلبت والدتي الطلاق ولم يوافق أبي واستمر هذا الوضع‏,‏ كل يوم خلافات وخناقات وانتهي الموقف إلي أنه لن يسافر حسب رغبة والدتي وعاد الوضع للهدوء من جديد حتي اعتقدت أمي أن هذه الفكرة قد ذهبت من عقل والدي‏.‏

ولكنها كانت خدعة ابتكرها والدي حتي ينتهي من إجراءات السفر من تأشيرة وخلافه‏.‏ وفي يوم أسود استيقظنا علي خبر أسود هو ان والدي قد سافر فعلا وترك لنا مبلغا ماليا‏.‏

ما حدث جعل والدتي تكره والدي كثيرا وهو ما جعلها تصوره لنا علي انه وحش يكرهنا ويريد التخلص منا‏,‏ نجحت أمي في رسم هذه الصورة في عين أخي الذي صدقها واصبح يكرهه‏.‏

مر عام انتظم والدي في إرسال مبلغ من المال شهريا‏.‏ ولكن كان كل ما يقهرني انه عندما كان يتصل ابي بنا علي التليفون كانت امي ترفع السماعة وتغلق الخط‏.‏

كان يمر بالشهور دون سماع صوته‏,‏ مع العلم انه كان يتصل كل يومين حتي عاد والدي من سفره بعد عام‏.‏ استقبلته أمي بالعتاب والغضب‏,‏ أما أنا فكنت سعيدة لعودته وسعيدة أكثر بالأشياء الجميلة التي جاء بها لنا من الغربة‏.‏

في هذا الوقت طلبت أمي الطلاق وزادت الخلافات لدرجة كبيرة‏,‏ وأخيرا طلقها ابي وسافر مرة أخري لعمله‏.‏

وذهبنا إلي بيت جدتي‏,‏ وأتذكر جيدا موقفا أحزنني ولا يغادر ذاكرتي‏,‏ فعندما بدأت ألعب باللعب التي اعطاها لي والدي كسرها أخي وكان عمره‏12‏ عاما وكذلك أخذت مني أمي الملابس التي أحضرها لي وأعطتها لابنة البواب‏,‏ ومرت الأعوام في بيت جدتي في هدوء وملل وجو كئيب‏.‏ لم أعرف في هذه السن أن أكتسب صداقات‏,‏ فكنت في سن المراهقة ومرحلتي العمرية حساسة‏,‏ أي شيء يجرحني‏,‏ ويوما بعد يوم تزداد أنانية أخي الذي كان يعاملني بقسوة فيما تدلله أمي وتسمح له بكل شيء علي حسابي وكأني لست ابنتها‏.‏

كل هذا كان يمكن احتماله إلي أن جاء يوم أسود آخر في حياتي هو يوم ان جمعتنا أمي لأنها تريد أن تخبرنا بموضوع مهم وهو انها وجدت الشخص المناسب لتكمل معه مشوار الحياة‏.‏ لم يعترض أخي وانا لم أحزن ولم افرح لأني فقدت الشعور تجاهها وتزوجت خلال شهر واحد وانتقلت والدتي إلي بيت زوجها الثري‏.‏

واصبحت انا وأخي وجدتي نعيش معا‏.‏ لن انكر ان هذا الوضع أثر علي أخي ولكنه كان الأفضل بالنسبة له فأخذ راحته في الدخول والخروج حتي انه في يوم لم يبت في المنزل ولم تستطع جدتي السيطرة عليه‏.‏ وقمت انا بخدمتها وكثيرا‏,‏ ما كانت تأتي والدتي لزيارتنا وكنت أدخل حجرتي وأغلقها علي نفسي ونادرا ما كانت تسأل علي‏.‏

في هذه الفترة لم يرسل أبي أي خطاب ولم يتصل بنا‏,‏ فقد انقطعت أخباره تماما وعندما كنت اسأل اعمامي كانت إجابتهم‏:‏ الله أعلم هو فين‏.‏

اما أخي فكان كل ما يهمه ان ينهل من بحر المال الذي امتلكته أمي من زوجها الجديد‏,‏ وفي الواقع كان زوجها كريما جدا مع أخي وليته لم يفعل‏!‏

كنت لا اعرف شيئا عن أحوال أخي وأحيانا كثيرة لا آراه‏,‏ لانه في الليل بالشارع وفي النهار بحجرته نائما‏.‏ وفي يوم عاد أخي في حالة سيئة من كثرة شرب الخمور وبعدها بيومين أخبرت والدتي وكانت إجابتها‏:‏ أخوك ولد يعمل اللي هو عايزه وكمان هو مش صغير انا لسه حاربيه تاني‏.‏ وادركت وقتها اننا لا نهم والدتنا‏,‏ ولم نعد في حساباتها‏.‏
وفي يوم عاد أخي في حالة أسوأ من أي يوم وفقد وعيه فقمنا بالاتصال بالدكتور وأخبرنا انه يحتاج لنقله للمستشفي‏,‏ ودخل في الاستقبال وتأخر الدكتور في حجرة الكشف ليخرج
 ويقول لنا بكل أسي وحزن‏:‏ البقاء لله لقد توفي أخي بسبب كمية هيروين كبيرة أخذها وقضت عليه‏.‏
استقبلت أمي الخبر بحزن ولكنها بعد فترة عادت لطبيعتها‏.‏

ومرضت جدتي وساءت حالتها الصحية‏,‏ وقبل أن يكمل أخي عاما علي وفاته توفيت جدتي‏.‏ لن انسي هذا اليوم الصعب فقد كنت نائمة علي كرسي بجوارها واستيقظت علي صوت ألمها وفي دقائق صعدت روحها الطاهرة إلي السماء لتتركني وحدي‏,‏ وسيطر علي الخوف وكان الوقت متأخرا وحاولت الاتصال بوالدتي ولكن كان هاتفها مغلقا‏.‏ بكيت وجلست بجوارها أقرأ لها القرآن الكريم حتي جاء الصباح وابلغت أمي وتمت إجراءات الدفن وبعدها بوقت ناقشتني والدتي فيما حدثوقالت لي في النهاية‏:‏ انتي إيه ميجيش من وراكي خير ابدا كل أخبارك زي وشك‏.‏
وبعدها أخذتني اعيش معها في بيت زوجها وكان موقفي محرجا وسخيفا‏,‏ وقررت أن أقول لعمي‏.‏ وفي خلال ايام رفعوا دعوي ضم لي ونجحوا في ذلك وذهبت أعيش في بيت عمي وكنت لا أري سوي المشاكل واحساسي بإني عالة عليهم‏,‏ فزوجته لا تتخير عن أمي‏.‏ ظللت في عذاب فالعيشة عند عمي مريرة وعند أمي أمر‏.‏

كنت لا أجد من أحبه وليس لي أصدقاء فأصبحت منعزلة عن الناس‏,‏ وكل الناس تراني كئيبة فلا يوجد في حياتي شيء جميل‏,‏ لقد ضاع كل شيء‏,‏ وظللت فترة أعاني من الذل وكثيرا ما كنت اسمع همس اولاد عمي وهم يتمنون الخلاص مني‏,‏ ويتخذونني مصدرا للفكاهة والسخرية لأني كئيبة ونكدية‏,‏ وعندما اتركهم يرمون علي بالكلام الذي مثل السهام ولدغات النحل فكان علي أن اتحمل لدغات النحل لأنال العسل‏,‏ وهو الوجود في بيت وأسرة وحتي لا ابقي وحيدة‏.‏

كان هذا حالي خلال الفترة الصعبة التي عشتها معهم‏,‏ إلي أن جاء يوم مختلف عن باقي الأيام الحزينة والمملة يوم أن جاءت أمي ومعها ورقة طلاقها‏,‏ وتريد أن تأخذني من عمي وأخيرا جاءت لي نسمة سعادة وفرحة لي ولأولاد عمي وهي خلاص كل منا من الآخر‏.‏

أنا الآن اعيش مع أمي وتحسنت احوالي النفسية‏.‏ مازالت المسافة بيني وبينها بعيدة ولكني اعرف انهامع مرور الوقت سوف تقترب‏.‏ لم أكتب لك لأجد حلا ولكن لأطلب منك ان تنصح كل أم وكل أب بألا يتركوا ابناءهم في سبيل البحث عن السعادة أو المال‏.‏

واطلب من كل أم تقرأ الرسالة ان تحافظ علي ابنائها خاصة البنات‏,‏ واتمني ألا يحدث لأي طفل ما حدث لي وأخي رحمه الله فلا يضيع ويصبح فريسة في مجتمعنا‏,‏ لقد أدمن أخي الخمور والمخدرات وانا اصبحت معقدة نفسيا‏.‏

يجب علي كل أم وكل أب التمسك بأطفالهم حتي لا تكون النتيجة مؤلمة والثمن باهظا‏.‏

رد الكاتب :

*‏ صغيرتي‏..‏ ها هي سطور رسالتك البريئة والصادقة أنشرها كما هي‏,‏ بتلقائيتها وحزنها‏,‏
 لتكون صفعة علي وجه الآباء الذين لا يشعرون بالنعمة التي من الله بها عليهم‏,‏ فيغتالون زينة الحياة الدنيا‏,‏ ويدفعون بهم إلي مستقبل مظلم دون ذنب اقترفوه‏,‏ من أجل قصر نظرهم وفهمهم الخاطيء لمعني السعادة‏,‏ فيندفعون إلي استعذاب الوحدة ـ مثلما فعل والدك‏,‏ أو الغرق في الأنانية وقسوة القلب ـ مثلما فعلت والدتك ـ غافلين أن الله سيحاسبهم علي الأمانة التي أودعها بين أياديهم‏.‏

يعجز عقلي أحيانا عن استيعاب تصرفات بعض البشر‏,‏ تكون السعادة المجانية السهلة بين أصابعهم‏,‏ فيفرطون فيها بكل يسر‏,‏ ويدفعون الكثير أملا في سعادة أخري فيما هي الهاوية‏.‏

مثل والدك ـ يا صغيرتي ـ كثيرون‏,‏ تكون حياتهم هادئة مستقرة‏,‏ لا يعانون صعوبات مالية‏,‏ ومع ذلك يقررون السفر إلي الخارج‏,‏ أملا في وضع أفضل‏..‏ قد يكون هذا طبيعيا لمن هم في ظروف مادية صعبة‏,‏ ولا يتم اتخاذ مثل هذا القرار إلا باتفاق كل أطراف الأسرة الصغيرة‏.‏ ولكن والدك فعلها خلسة أمام تعنت والدتك ورفضها‏..‏ هرب ـ ويالقسوة قلبه ـ ولم يفكر في الاستئذان وتقبيل ابنه وابنته‏.‏

كان من حق والدتك أن تغضب وتحزن وتطالب أيضا بالطلاق‏,‏ ولكن لم يكن من حقها أو واجبها أن تشوه صورة والدكما وتمنعه من الاتصال بكما‏..‏ ولكن يبدو أنهما متشابهان في أشياء كثيرة أهمها القسوة‏.‏

عاد الأب ولكن الشرخ حدث‏,‏ وبدلا من تقديره لحجم الخسائر الناجمة عن سفره‏,‏ استسلم لرغبة الأم وطلقها‏..‏ كلاهما فكر في راحته ورغباته‏..‏ هو أعجبته الوحدة وعدم تحمل المسئولية‏,‏ وهي ثأرت لكرامتها وأصرت علي حرق كل المراكب‏.‏

غاب الأب‏,‏ وواصلت الأم أنانيتها‏..‏ اختارت أن تكمل حياتها مع رجل آخر بدون التفكير في مستقبل الصغيرين‏..‏ ذهبت الأم إلي متعتها لتترك ولدا وبنتا في سن حرجة‏..‏ لم تفكر للحظة فيما قد يتعرضان له وهما بدون خبرة أو تجربة‏.‏

وها هو الصغير في ظل غياب الأب ـ القدوة ـ والأم مصدر الحنان والاحتواء‏,‏ يغرق في مستنقع الخمور والمخدرات‏..‏ لم ينهره أحد‏,‏ ولم يخف أحدا‏,‏ بل وجد من تمنحه الأموال كي يبعد عنها‏,‏ لا يعكر صفو حياتها مع الزوج الثري‏,‏ مستندة إلي أسلوب بائد وقاصر في التربية الولد يعمل اللي هو عايزه‏..‏ من المؤكد أن الصغير لم يكن يريد الموت‏..‏ كان يهرب من عذابه ووحدته‏..‏ مات الصغير ولم أعرف ماذا فعل الأب بغربته وبأمواله التي جمعها‏..‏ الأم حزنت‏,‏ ثم عادت لطبيعتها‏..‏ لا يا صغيرتي ليست هذه هي طبيعة الأم‏..‏ فالأم لا تلوم صغيرتها وتسبها لأنها عاشت أصعب لحظاتها وحيدة مع جدتها الميتة تقرأ لها القرآن‏,‏ بينما هي مستمتعة بنومها مع زوجها‏.‏

لقد كنت عظيمة يا صغيرتي في كل مواقفك واستيعابك للحياة الصعبة التي تعيشينها‏.‏ وعلي الرغم من أنك لم تذكري أين والدك الآن‏,‏ إلا أني أتمني أن يعود إلي رشده‏,‏ ويعيدك إلي حضنه نادما علي ما اقترفه في حقك وحق شقيقك الراحل‏,‏ وأتمني أن يستيقظ ضمير والدتك فتضمك إلي صدرها وتبكي دما علي ما فعلته‏,‏ لعلها تذهب عنك حزنك وتمحو ألمك المترسب في داخلك‏.‏

وانتهزها فرصة‏,‏ خاصة وأنا أري حولي أبناء ضائعين لأن آباءهم غرقوا في براميل النفط ونسوا أولادهم‏,‏ أو اعتقدوا أن دورهم توفير حياة كريمة لهم بالتمويل المادي‏,‏ وادعاء أن كل شيء في مصر اصبح غاليا‏,‏ ويسعون لتوفير شقق وأموال في البنوك لأبنائهم‏..‏ غافلين أو متجاهلين أن الحياة اصبحت صعبة وقاسية وأن الشوارع ممتلئة بذئاب تبحث عن مثل ابنائكم ليكونوا وقودا للفساد والانحراف‏.‏

الاستثمار في الأبناء بالمحبة والاحتواء والأمان أكثر جدوي من تأمينهم بالمال‏..‏ وقصة هذه الصغيرة‏,‏ علي الرغم من أنها صادمة ومؤلمة‏,‏ إلا أنها ناقوس خطر لعله يدق في قلوب الغافلين‏,‏ الذين قد يخسرون للأبد من ذهبوا بعيدا من أجل إسعادهم؟ وإلي اللقاء بإذن الله‏
انشر
-

هناك تعليق واحد:

  1. ربنا يهدي كل أب و أم مقصرين في حق أولادهم وبناتهم و مش مهتمين بيهم

    ردحذف

;