السبت، 10 ديسمبر 2016

رسالة ( التحدي)..ووجدت نفسي عاجزة عن الرد


غالبت نفسي كثيرًا حتى تنازلت عن كبريائها " اللعين " وقبلتُ أن تقف موقف الشاكي من أحد وهي التي اعتادت أن يشكو إليها الناس وأن ينتظروا منها المشورة والعدل وسوف تعرف بعد قليل لماذا أجهدتني نفسي لكي تقبل ذلك فأنا يا سيدي سيدة مرموقة بكل معني الكلمة .. بدأت حياتي العملية منذ 25 سنة عقب تخرجي في الجامعة .. واختارت لي الأقدار طريقًا مبشرًا بالنجاح .. وأردت أن أساعد نفسي على ذلك فالتحقت بالدراسات العليا في كليتي لأحصل على الماجستير والدكتوراه ، وفي قسم الدراسات العليا التقيت بأستاذي المشرف على رسالتي للماجستير ،
وتكرر اللقاء بيننا لأستشيره في أمور رسالتي من حين إلى آخر وكان وقتها يقترب من الأربعين وكنت في الخامسة والعشرين تقريبًا .. ونشأ بيننا إعجاب متبادل ولم نلبث أن اقتنع كل منا بشخص الآخر .. واتفقنا بعد قليل على الزواج وفي اللحظة التي تصارحنا فيها .. تنحى أستاذي عن الإشراف على رسالتي وكلف زميلاً آخر بالإشراف عليها لأني أصبحت خطيبته ، وساعدني مساعدات كبيرة في رسالتي حتى ناقشتها وحصلت على الماجستير وتزوجنا .

وفي بيت الصغير عرفت الحب لأول مرة في حياتي .. بالرغم من إننا لم نتبادل عبارات الحب المألوفة خلال الخطبة فلقد وجدت نفسي أحبه من أعماق قلبي ووجدت نفسي أحترمه بقدر ما أحبه فلقد كان دائمًا رجلاً على خلق وله مثالياته التي يحرص عليها في الحياة ، وكان كل يوم يمر عليّ معه يكشف لي عن ميزة جديدة من مميزاته .. فهو أمين .. لا يكذب .. ولا يقبل الانحراف بكل أنواعه ، وشجاع يقول كلمته في الكلية ولا يبالي إن كانت ستكسبه خصومًا أم أنصارًا .

أما في بيته فقد كان بحق زوجًا مثاليًا هادئًا .. لا يعرف كيف ينطق بكلمة جارحة لأحد ومنظم جدًا ويؤمن بتعاون الرجل مع المرأة في كل شئون الحياة وقد أكسبته سنوات دراسته في أوروبا نظرة عملية للحياة غير متوافرة لدى الكثيرين فكان مثلاً يشاركني العمل يوم الغسيل ويقف على الغسالة إلى جواري ويشاركني في كي القمصان والفساتين ويشتري لي الخضار والفاكهة من السوق وهو الأستاذ المرموق ويحرص على مشاركتي في تنظيف البيت في اليوم المخصص لذلك ، وكان يهتم جدًا بنظافة أرضية الدور الذي نسكن فيه من العمارة .. ولولا أني أمسكت به ذات مرة في أول زواجي منه وأقسمت عليه ألا يفعل حرصًا على مركزه .. لخرج من باب الشقة ليمسح أرضية الدور بالجردل والممسحة .. فعند هذا الحد قلت له أرجوك دع هذا الأمر للبواب لأن جيراننا سوف يستهجنون هذا التصرف واستجاب لمطلبي رغم عدم اقتناعه به لأنه يعيش في الواقع ويعرف الكثير عن الحياة وأصبح يدفع للبواب أجرًا شهريًا مقابل غسيل أرضية الدور كل أسبوع .

وقد تعلمت منه الكثير والكثير .. وتعودت على نظام حياته الذي يحرص عليه بدقة منذ تعلم في أوروبا فعلمني العمل لفترة بيوم أوروبي طويل - وليست فترة اليوم المصري المعروف الذي ينتهي عادة في الثانية بعد الظهر .. وأن أنظم حياتي على ذلك .. وتعلمت هذا النظام وارتحت إليه فكنا نستيقظ في السادسة صباحًا .. ونجلس إلى مائدة الإفطار معًا لمدة ساعة نتناول الطعام ونقرأ الصحف ونتبادل الأحاديث ثم نخرج إلى عملنا مبكرين هو إلى الجامعة وأنا إلى مكتبي بالهيئة التي أعمل بها وفي حقيبة كل منا سندويتشات للغداء نتناولها في الثانية عشرة والنصف بالضبط ثم نبقى في العمل حتى الرابعة والنصف ويمر بي بسيارته لنعود إلى البيت .. فنعد معًا طعام العشاء ونتناوله في السادسة مساء وبعدها يدخل إلى مكتبه وأنا معه فيقرأ وأدرس أنا الدكتوراه بجواره لمدة ساعتين ثم نشاهد التليفزيون لفترة وننام مبكرين .

أما يوم الخميس فإننا نخرج لنزور الأقارب والأصدقاء أو نسهر في مسرح أو سينما وفي يوم الجمعة لابد من الخروج طول النهار إلى أي مكان ونعود منتعشين وقد جددنا نشاطنا لنستعد لأسبوع من العمل الشاق !

هكذا كان نظامه .. ولا تتصور كم أفادني ذلك النظام في عملي ، فقد كنت الموظفة الوحيدة التي تبقى بالعمل كل يوم من 8 صباحا إلى 4:30 مساء رغم انصراف كل الموظفين في الثانية وكثيرا ما ضقت بالفراغ والوحدة في ساعات بعد الظهر لكنه علمني أن أستفيد منها في دراسة عملي وإعداد التقارير واقتراح المشروعات وفعلت ذلك واكتسبت سمعة حسنة جدًا لدى رؤسائي بسبب ذلك وأصبحوا يكلفونني بالأعمال التي تتطلب دراسة وتفكيرًا وترقيت سريعًا في عملي فأصبحت رئيسة القسم ثم مديرة إدارة وبعد أن كنت أجلس في غرفة بها 4 مكاتب أصبحت لي غرفة صغيرة خاصة بي وساعٍ يرتب أوراقي وملفاتي .

وكان زوجي يرقبني بإعجاب ويشجعني على بذل المزيد من الجهد في العمل لأتقدم أكثر .. ويساعدني في اختيار الملابس المحتشمة واللائقة بي .. بل أصبح يساعدني في عملي حين أعجز عن إبداء الرأي في مشكلة فأستشيره ويشير عليّ بالرأي الصائب وبعد خمس سنوات من زواجنا رأى أن الوقت ملائم للإنجاب .. فأنجبنا ابننا الوحيد وبطريقته العملية طلب مني التفرغ من العمل لتربيته لمدة عامين بأجازة بدون مرتب ، وبعد عامين بالضبط طلب مني العودة للعمل وأحضرنا مربية للطفل واخترناها بعناية لكي تمضي فترة الصباح معه في بيت أم زوجي المسنة حتى نمر بها عند العودة من العمل ونصطحب الطفل للبيت واكتسبت حياتنا طعمًا جديدًا بعد مجئ الطفل .. لكن نظامها لم يتغير وبعد عامين آخرين ألحقناه بحضانة أطفال راقية واستغنينا عن المربية ومضت حياتنا هادئة سعيدة ورغم أننا لم نكن من الأثرياء فلقد عشنا حياة مضيئة بكل معنى الكلمة في حدود إمكاناتنا .. فقد كانت لزوجي قطعة أرض صغيرة مزروعة بالفواكه في بلده يؤجرها منه بعض أقاربه فكان إيرادها مع مرتبه ودخله من كتبه الجامعية التي كان يتنازل عن نصف مكافأة تأليفها مقابل تخفيض أسعارها للطلبة توفر لنا حياة معقولة بلا إسراف .. أما مرتبي فقلد كان يصر على أن أحتفظ به لنفسي ويقول لي ضاحكًا : أنا متحرر في تفكيري في كل شيء إلا في هذه النقطة فأنا شرقي جدًا فيها ! وهكذا كنت أنفق مرتبي على متلطباتي الشخصية وعلى شراء الهدايا له في المناسبات .. وكان هو يبادلني الهدايا وواصلت نجاحي في عملي وترقيت مديرا عامًا وزادت أعبائي ولم أستطع مواصلة الدراسة للدكتوراه فتوقفت عنها وأسف هو لذلك كثيرًا لكنه لم يعترض وواصل هو نجاحه في عمله حتى أصبح رئيسًا للقسم ثم وكيلاً لكليته ورفض أكثر من مرة قبول العمل في الخارج رغم مغرياته وفي هذه الفترة توفيت والدته رحمها الله .. وأصبحت شقتها خالية فنقل إليها بعض كتبه وأرشيفه .. وأصبح يمضي فيها أحيانًا بعض الوقت كلما احتاج إلى أرشيفه .

وفجأة قفزت أنا قفزة كبيرة في عملي حين أحيل رئيس مؤسستنا للمعاش ورقي وكيل الهيئة رئيسًا لها فاختارني وكيلاً للهيئة بدلاً منه وقوبل اختياري لهذا المنصب بمعارضة صامتة واحتجاج داخلي من كثير من المديرين بهيئتنا .. وتألمت لذلك وشكوت لزوجي فقال لي : اجعلي من هذا الاحتجاج تحديًا يدفعك للعمل والإجادة وإقناع المعارضين بأنكِ القدر فعلاً على شغل هذا المنصب . وبالفعل تفانيت في العمل وأصبحت أعمل صباحًا ومساءً ويوم الأجازة وأتنازل عن أجازتي السنوية التي كان زوجي يحرص حرصًا شديدًا على قضائها معي في المصيف .. ولأول مرة في حياتي افترقنا عدة أسابيع حين جاء الصيف فانتقل إلى المصيف في أغسطس واستأجر الشقة المعتادة هناك .. واصطحب ابني معه وبقيت وحدي في القاهرة أذهب إليه مساء كل أربعاء بسيارة الهيئة وأعود مساء الجمعة . ولم يشك زوجي من شيء .. بل كان سعيدًا ومنطقيًا كعادته .

واستمررت في عملي كوكيلة للمؤسسة وبذلت أقصى طاقاتي في العمل مع اقتراب خروج رئيس المؤسسة إلى المعاش بعد عامين وبعد أن أصبحت المرشحة الأولى لشغل منصبه .. وغرقت في العمل فعلاً خلال السنوات الأخيرة وأصبحت أيامي تنقضي في اجتماعات ولجان وسفر لتفقد الفروع وحضور الاحتفالات المختلفة وكلما تصورت أني أنجزت شيئًا اكتشفت أن هناك جبالاً من الأعمال تنتظرني .. ولم ينفعني اليوم الأوروبي في ذلك .. فأصبحت أذهب للعمل في الثامنة وأعود في الثالثة أو الرابعة بعد الظهر .. فأتناول طعام الغداء وأستريح ساعة ثم أعود للعمل في السادسة والنصف أو السابعة مساءً وأبقى فيه حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة وأحيانًا لواحدة صباحًا .. وهكذا كل الأيام بما فيها يوم الجمعة أحيانًا .. وابتلعني العمل بغير أن أحس واكتشفت أن أيامًا كثيرة تمر بغير أن أرى زوجي وأتحدث إليه فهو يكون خارج البيت حين أعود ظهرًا .. ويكون نائما حين أعود ليلاً وأيام الجمع التي يحرص على الخروج فيها أصبحت لا أرافقه معظم المرات فيها لأني أصل إلى نهاية الأسبوع منهكة القوى فأجد نفسي نائمة معظم ساعات النهار " كالفسيخة " من شدة التعب .. أفطر وأنام .. وأتعدى وأنام وكثيرًا ما صحوت بعد العصر فأجده عائدًا مع ابني من النادي أما أعمال البيت فلم أعد أضع يدي فيها بكل أسف لأني متعبة وقد خصصت نصف مرتبي كأجر لمدبرة بيت تأتي في الثامنة صباحًا وتذهب في الخامسة لأعوض هذا الإهمال مني لكني كنت سعيدة وألمح الرضا في عين زوجي عن نجاحي .. وكثيرًا ما قال لي أنه لابد أن تكوني رئيسة للمؤسسة وسوف تنجحين في ذلك إن شاء الله .

وذات يوم كنت في مكتبي فدخلت عليّ مديرة مكتبي بلا أوراق ولا ملفات في يدها فاستغربت ذلك وتوقعت أن تطلب مني أجازة واستعددت للرفض لكنها اقتربت وجلست ثم قالت لي أنها تريد أن تتحدث معي في أمر خاص ثم قالت لي خبرًا نزل فوق رأسي كالمطرقة ! .. فقد قالت لي أن زوجي قد تزوج من شهور من زميلة له بالكلية مطلقة في الأربعين من عمرها وأنها عرفت ذلك منذ أسبوع من زوج شقيقتها الذي يعمل موظفًا بنفس الكلية وأن الخبر معروف في الكلية منذ شهور لأنهما لا يخفيانه وأن " الأستاذة " تقيم مع أمها لأنها لم تنجب وأن زوجي يعد شقة أمه الراحلة لتكون عش الزوجية  !

وأسرعت أضع النظارة على عينيّ لأخفي انفعالاتي وسألتها : هل أنت متأكدة من ذلك ؟ فقالت : نعم ! ولأول مرة منذ سنوات طلبت سائق السيارة ونزلت من مكتبي قبل مواعيد العمل وأسرعت عائدة إلى البيت .. ووجدت زوجي يجلس ساكنًا على فوتيه يقرأ كتابًا ويدخن البايب في هدوء !

ولم تبد عليه أي دهشة لعودتي المفاجئة .. وجلست بجواره وسألته عن الموضوع فإذا به يقول لي بهدوء عجيب أن الخبر صحيح  !

وصرخت فيه لأول مرة في حياتي : تزوجت ؟ فنظر إليّ مندهشًا من ارتفاع صوتي وقال : نعم ! قلت : لماذا.. ؟ قال بنفس الهدوء لأنه لابد لكل رجل من زوجة ! فصرخت مرة أخرى وأنا ماذا أكون ؟ فقال أنت وكيلة هيئة مرموقة مشغولة بعملها ولجانها واجتماعاتها وطموحاتها .. ولم تعودي زوجة منذ أكثر من 5 سنوات لقد صبرت كثيرًا وتحملت كثيرًا وانتظرت أن تفيقي إلى نفسك وأن تؤدي إليّ حقوقي كزوج ولكنك لم تتنبهي إلى ذلك .. هل تذكرين متى كانت آخر مرة جلسنا فيها جلسة هادئة لمدة ساعتين معًا ! ليس قبل عام على الأقل ! هل تذكرين آخر مرة تناولنا فيها طعام العشاء أو الغداء معًا ؟ ليس قبل 10 شهور .. ! هل تذكرين آخر مرة أمضينا فيها أجازة لمدة 3 أسابيع معًا في المصيف أو في القاهرة ؟ .. ليس قبل عامين !

ماذا كنت تنتظرين مني .. إنك تعرفين استقامتي وتعرفين أني لا أقبل أن أفعل الخطأ .. لذلك كان لابد لي أن أتزوج وقد تزوجت  !

ووجدت نفسي عاجزة عن الرد لكني قلت له : وابنك ؟ فقال : ابني أصبح شابًا في السابعة عشرة يفهم الدنيا .. وسوف يعذرني إذا شرحت له الأمر لكني لن أفعل ذلك إلا إذا أخبرته أنت بذلك والأفضل أن يعرف الأمر في الوقت المناسب ! وتجمد لساني في حلقي .. وبعد دقائق مرت كالشهور قلت له : وما العمل ؟ قال : كما تشائين .. إذا أردت استمرار العلاقة الزوجية فأنا على استعداد لذلك وإذا أردت الانفصال فأنا أيضًا على استعداد لذلك ولن يتغير أي شيء في حياتك لأني سأترك لك الشقة بما فيها وسآخذ كتبي وأوراقي فقط لكنك إذا سألتني عن رأيي فسوف أنصحك بقبول الأمر الواقع وأن تستمر علاقتنا الزوجية حفاظًا على مظهرنا الاجتماعي وعلى مركزنا ولن تفقدي شيئًا مني .. لأنك فقدتني بالفعل منذ سنوات !

ونهضت من أمامه محطمة ودخلت غرفة نومي وانهمرت في بكاء عنيف ولم أشعر إلا بزوجي يقول لي : السيارة حضرت ! فقلت له : إنني لن أذهب إلى العمل هذا اليوم !

وأمضيت اليوم في سريري بلا طعام وذهبت إلى العمل في اليوم التالي وأنا شبه مريضة ، ومرت أيامي ثقيلة أفكر في حالي وفي العرض الذي عرضه عليّ زوجي .. وبعد أسبوعين من التفكير قررت ألا أطلب منه الطلاق وأن أستمر معه حفاظًا على كرامة الأسرة وحرصًا على مشاعر ابني وتظاهرت بالقوة والاستهانة بالأمر وازددت استغراقًا في العمل لأنسى مشكلتي لكني كلما سرحت تذكرت الأيام السعيدة التي عشتها معه .. وتذكرته وهو يعلمني حقائق الحياة ثم وهو يشجعني على العمل والتقدم فيه ونزهاتنا البريئة في الأيام الخالية .. ثم أتذكر حالي وما وصلت إليه من وحدة وافتقاد للزوج والحبيب والأستاذ فأنهار وأبكي وفي أحيان أخرى أتذكر أن لي " ضرة " تسعد بزوجي ويسعد بها فتشب النار في جسمي .. وأفقد سيطرتي على نفسي وأشد شعري من الغيظ فهل رأيت وكيلة مؤسسة ترأس أكثر من مائة موظف ولها ضرة ؟

وهل أخطأت حين قبلت الاستمرار معه ولم أطلب الطلاق ؟ لقد مرّ على قراري هذا ستة أشهر إلى الآن لم أهنأ فيها بنوم ولا براحة ولولا مشاغلي وحياتي الاجتماعية في العمل لجننت .. وزوجي يحرص على عدم جرح مشاعري ولكني أحس أنه بعيد عني وأن بيني وبينه حواجز عالية ، فهل ترى أني أخطأت في قبول هذا الوضع ؟ وكيف يشجعني على التفاني في العمل ثم يحاسبني على العمل بنصيحته وعلى النجاح الذي حققته بفضله ؟  وماذا يريد مني أكثر مما قدمت وسنواتنا معًا مرت بلا مشاكل ولا أزمات ؟

لكاتبة هذه الرسالة :

أقول : يريد الرجل من زوجته يا سيدتي أن تكون "زوجته" أولاً ثم أي شيء آخر بعد ذلك ! لقد علمك حقائق الحياة كما تقولين وشجعك على العمل والنجاح لكنك تجاوزت الخيط الرفيع بين الطموح المشروع للزوجة في عملها وبين دورها كزوجة تشارك زوجها حياته وأفكاره وأوقاته .. فاختلطت عليك الأوراق .. وانفصلت معنويًا عن زوجك منذ فترة طويلة بغير أن تشعري وغابت عنك حقائق كثيرة .. فغاب عنك أن زوجك ينتظرك .. وأنه ملّ الانتظار وأنه قد تجاوز بعد صبر طويل الاحتجاج الصامت إلى الاحتجاج العلني .. فتزوج  !

لقد بحث عنك زوجك يا سيدتي طويلاً ولم يجدك .. ولأنه رجل جاد فقد رأى أنه بلا زوجة ويحتاج إلى زوجة فتزوج .. فإن كنت ألومه على شيء فعلى أنه لم يكن كالعهد به صريحًا معك في هذا الأمر .. ولم ينبهك في الوقت المناسب إلى أنه لم يعد يحتمل انشغالك عنه كما لا ألومه أيضًا إلا على أنه لم يحاول جديًا استعادتك إليه من عملك ومشاغلك .. ولم ينذرك مرة ومرات إلى خطورة استمرار هذا الحال قبل أن يقدم على خطوته وعلى أنه لم يبلغك بنواياه قبل أن يقدم على الزواج ويخيرك بين الاستمرار معه وبين الانفصال عنه ولو فعل كل ذلك لما كان ملومًا في شيء !

فأنت فعلاً قد انصرفت عنه إلى طموحك وإلى التحدي الذي قبلته في عملك وأجهدت نفسك في مواجهته . وليس في اهتمام الإنسان بعمله وفي تفانيه فيه ما يعيبه .. بل هو من مزاياه بكل تأكيد ولكن بشرط ألا يكن ذلك على حساب واجباته الأساسية الأخرى .. وأي واجب أحق بالأداء من واجب الزوجة تجاه زوجها وابنها وأسرتها ؟ وأي معنى للزواج حين يفتقد الزوج زوجته وهي معه تحت سقف واحد ، وحين تمر الشهور بل والأعوام وهما لا يلتقيان ولا يتناجيان ولا يتشاركان في شئون الحياة ولا يبدد كل منهما وحشة الآخر ؟

ولقد غاب عنك هذا الدرس يا سيدتي في السنوات الأخيرة من حياتك فدفعت ثمنه غاليًا من سعادتك الشخصية لكنك لم تخسري المعركة نهائيًا على أية حال .. فأنت شخصية صلبة ذات إرادة قوية ولقد قبلت  التحدي في حياتك العملية وواجهته باقتدار فلم لا تقبلينه أيضًا في حياتك الخاصة وتواجهينه بنفس الإصرار ؟ إنك تستطيعين استعادة زوجك الذي تربطك به علاقة العمر والروابط العديدة .. لو تذكرت فقط أنك في بيتك زوجة وأمًا وامرأة أولاً وقبل كل شيء ولست وكيلة مؤسسة ولا وكيلة وزارة لأن الرجل يا سيدتي لا يرى فارقًا بالمرة بين وكيلة الوزارة وبين وكيلة المدرسة الابتدائية في علاقته الخاصة بها .. وهو كزوج يرى في شريكة حياته زوجة وامرأة وأمًا قبل أن تكون شيء آخر ، أما وظائفها وألقابها فلتكن ما تكون خارج حدود علاقته بها وخارج حدود بيته وعالمهما الصغير .

فلم لا تراجعين نفسك .. وتصلحين من شأنك .. وتقتربين من زوجك ليستعيد فيك الزوجة الغائبة .. والحبيبة الأولى ؟ إنني أتصور أن علاقتكما أعمق من هذه الأزمة العابرة التي يمكن أن تنتهي بعودة زوجك كاملاً إليكِ .. وأتصور أنكما سوف تعبران هذه المحنة الطارئة بقليل من الإنصاف منك لنفسك أولاً قبل زوجك .. وبقليل من المهارة والإرادة القوية التي يستفزها التحدي فتنهض لمواجهته وتنجح دائمًا في تحقيق ما تريد ، فلم لا

تخوضين هذه المعركة الجديدة يا سيدتي ؟
انشر
-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

;